(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢))
(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) أي إن يظفروا عليكم ويأخذوكم (يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً) أي يظهر لكم عداوتهم (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) بالضرب والقتل (وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) أي بالشتم (وَوَدُّوا) أي مشركو مكة أورده ماضيا بعد إيراد جواب الشرط مضارعا مثله ليدل على شدة مودتهم ردكم كفارا (لَوْ تَكْفُرُونَ) [٢] أي كفركم فتكونون مثلهم ، و (لَوْ) بمعنى أن.
(لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣))
(لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ) أي إن فعلتم الإسرار بسبب قرابتكم لن تنفعكم قراباتكم (وَلا أَوْلادُكُمْ) بمكة الذين بسببهم كتبتم الكتاب خوفا عليهم إلى مكة (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ) بالتخفيف والتشديد مجهولا ومعلوما (١) ، أي الله يفرق (بَيْنَكُمْ) وبين أولادكم يوم القيامة فيدخلكم الجنة بايمانكم ويدخلكم النار بكرهم فما لكم لا تحفظون حق الله وتحفظون حق من سيفر منكم وسيفصل عنكم (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [٣] أي عالم بأعمالكم سرا وعلانية.
(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤))
(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أي قدوة صالحة (فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) من المؤمنين فاقتدوا بهم أيها المؤمنون (إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ) من الكفار (إِنَّا بُرَآؤُا) جمع بريئ (مِنْكُمْ) أي من دينكم (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي من الأصنام (كَفَرْنا بِكُمْ) أي جحدنا دينكم (وَبَدا) أي ظهر (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ) يعني قطعنا عنكم المودة (أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) ولا تشركوا به شيئا ، فأعلم الله أصحاب النبي عليهالسلام أن أصحاب إبراهيم تبرؤا من قومهم لكفرهم فقال تعالى اقتدوا بهم وبابراهيم في كل قول (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ) لا تقتدوا به فانه قال (لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) واستغفار المؤمن للكافر لا يجوز ، ف (إِلَّا) استثناء من قوله (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ولا يشكل قوله (وَما أَمْلِكُ) أي لا أقدر (لَكَ) يا أبي أن أمنعك (مِنَ اللهِ) أي من عذابه (مِنْ شَيْءٍ) إن لم تؤمن ، فانه قول حق لا يليق الاستثناء ، لأن المقصود الاستثناء في الجملة هو الاستغفار ، وهو تابع له لا أنه مستثنى برأسه حتى يشكل قوله (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا) متصل بما قبل الاستثناء (٢) وهو من جملة الأسوة الحسنة أو تعليم لحاطب ومثله ، أي قولوا أيها المؤمنون ربنا فوضنا أمرنا وأمر أقاربنا إليك (وَإِلَيْكَ أَنَبْنا) أي أقبلنا بالطاعة (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [٤] أي المرجع في الآخرة.
(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥))
(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً) أي بلية (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي لا تظهرهم علينا التسليط فيظنون أنهم على الحق ونحن على الباطل فيفتنون بنا ولا تعذبنا فيقولوا لو كانوا على الحق لما عذبوا (وَاغْفِرْ لَنا) ذنوبنا (رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) في ملكه (الْحَكِيمُ) [٥] في أمرك.
__________________
(١) «يفصل» : قرأ المدنيان والمكي والبصري بضم الياء وإسكان الفاء وفتح الصاد مخففة ، وابن عامر بضم الباء وفتح الفاء والصاد مشددة ، وعاصم ويعقوب بفتح الياء وإسكان الفاء وكسر الصاد مخففة ، والأخوان وخلف بضم الياء وفتح الفاء وكسر الصاد مشددة. البدور الزاهرة ، ٢١٨.
(٢) الاستثناء ، ح ي : ـ و.