(وَقَدْ تَعْلَمُونَ) حال ، أي عالمين (١)(أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) والاحترام يجب على الأمة لرسولهم (٢) ، و (قَدْ) فيه للتأكيد كأنه قال : وقد (٣) تعلمون علما يقينا في رسالتي لا شبهة لكم فيها (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ) أي مالوا عن تصديق الرسل (اللهُ قُلُوبَهُمْ) عن الهدى (وَاللهُ لا يَهْدِي) أي لا يرشد إلى الإيمان (الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) [٥] إذا سبق في علمه فسقهم.
(وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦))
(وَ) اذكر (إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ) ولم يقل يا قوم ، إذ لا قرابة له فيهم (إِنِّي رَسُولُ اللهِ) أي مرسل منه (إِلَيْكُمْ) لأدعوكم إلى الإسلام (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) والعامل في الحال معنى الفعل الدال عليه رسول الله لا إليكم ، لأنه صلته (٤) ، والصلة التي هي حرف من حروف الجر لا يتضمن معنى الفعل فلا تعمل شيئا بنفسها (٥) ، أي أقرأ الإنجيل موافقا لما فيها من التوحيد وبعض الشرائع (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) والجملة في محل الجر صفة رسول أو نصب حال من فاعل يأتي ، قيل : «قال الحواريون لعيسى : يا روح الله هل بعدنا من أمة؟ قال : نعم ، أمة محمد عليهالسلام حكماء علماء أبرار أتقياء ، كأنهم من الفقه أنبياء يرضون من الله باليسير ويرضى الله منهم باليسير من العمل» (٦)(فَلَمَّا جاءَهُمْ) عيسى (بِالْبَيِّناتِ) أي بالآيات المعجزة كاحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) [٦] أي ظاهر في العالم (٧).
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧))
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى) أي اختلق (عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) وهم اليهود الذين نسبوا الشريك والولد إلى الله تعالى (وَهُوَ) يرجع إلى (مَنْ أَظْلَمُ) ، أي والحال أنه (يُدْعى) بلسان رسل الله (إِلَى الْإِسْلامِ) وهو دين محمد عليهالسلام (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [٧] أي لا يرحمهم لظلمهم أنفسهم بالتكذيب.
(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨))
(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) أي توحيده وإظهار شرعه (بِأَفْواهِهِمْ) أي بأقوالهم الكاذبة ، وهي نسبة الولد والشريك إليه تعالى (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) بالإضافة وتركها (٨) ، أي مكمل توحيده ودينه (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [٨] أي اليهود والنصارى.
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩))
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) أي بالتوحيد (وَدِينِ الْحَقِّ) أي الإسلام (لِيُظْهِرَهُ) أي ليغلبه بالقهر (عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [٩] أي مشركو مكة ، قيل : قد فعل (٩) لأن كل دين مقهور بدين الإسلام (١٠) أو لا يبقى أحد في آخر الزمان إلا مسلم أو ذمة للمسلمين (١١) ، وقال مجاهد : «إذا نزل عيسى عليهالسلام لم يكن في الأرض إلا دين الإسلام» (١٢).
__________________
(١) أني ، + ي.
(٢) على الأمة لرسولهم ، وي : على أمته لرسوله ، ح.
(٣) قد ، ح : ـ وي.
(٤) صلته ، وي : صلة ، ح.
(٥) بنفسها ، وي : بنفسه ، ح.
(٦) عن وهب ، انظر الكشاف ، ٦ / ١٠٩.
(٧) في العالم ، وي : في العلم ، ح.
(٨) «متم نوره» : قرأ المكي وحفص والأخوان وخلف بحذف تنوين «متم» وخفض راء «نوره» ، ويترتب عليه كسرهاء الضمير ، والباقون بتنوين «متم» ونصب راء «نوره» ، ويترتب عليه ضم هاء الضمير. البدور الزاهرة ، ٣١٩.
(٩) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٥٩.
(١٠) وهذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ١١٠.
(١١) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٣٥٩.
(١٢) عن مجاهد ، انظر الكشاف ، ٦ / ١١٠.