(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢))
قيل : قال المسلمون لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملناه فنزل (١)(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ) أي تخلصكم (مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [١٠] أي دائم ، ثم قالوا يا ويلتي لا نعلم ما هي ، فدلهم عليها (٢) بقوله (تُؤْمِنُونَ) استئناف ، كأنهم قالوا كيف نفعل فقال تؤمنون وهو خبر لفظا في معنى الأمر للإيذان بوجوب (٣) الامتثال ، ويجوز أن يكون بدلا من ال (تِجارَةٍ) بتقدير أن تؤمنوا ، أي تصدقون (بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) وقدم المال (٤) ، لأنه بتأخير النفس يحصل غزوة أخرى ولأن في صرف المال أولا دفع الضنة عن النفس (ذلِكُمْ) أي المذكور من الإيمان والجهاد في سبيله (خَيْرٌ لَكُمْ) من تركهما (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [١١] بخلوص الاعتقاد أنه خير لكم ، وجواب (تُؤْمِنُونَ) في معنى الأمر (يَغْفِرْ لَكُمْ) بالجزم ، ويجوز أن يكون جواب شرط محذوف بدلالة (تُؤْمِنُونَ) ، أي إن تؤمنوا يغفر لكم (ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) أي منازل مطيبة بالمسك والعنبر أو بالحور والغلمان والبقاء واللقاء (فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) أي إقامة وخلود (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [١٢] أي الظفر الوافر بالمراد.
(وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣))
(وَأُخْرى تُحِبُّونَها) أي ولكم نعمة أخرى سوى المغفرة والثواب الآجل وهي نعمة محبوبة إليكم في العاجل ، قوله (نَصْرٌ مِنَ اللهِ) بيان لتلك النعمة الأخرى ، يعني نصر من الله على عدوكم (وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) أي عاجل وهو فتح مكة وفتح فارس والروم ، قوله (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [١٣] عطف على (تُؤْمِنُونَ) ، لأنه خبر في معنى الأمر ، أي آمنوا وجاهدوا يثبكم الله وينصركم وبشر يا محمد المؤمنين بذلك النصر على قريش وغيرهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ) بالإضافة وتركها (٥) ، أي أعوان دينه بالسيف على أعدائه ، وصح التشبيه حملا على المعنى في (كَما قالَ) أي أقول لكم كما قال ، فالكاف نصب صفة مصدر محذوف ، أي قولا مثل ما قال (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) للحواريون) لأصفيائه وخلصائه (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) أي من المختص بي في التوجه إلى نصرة دين الله ، قيل : الحواريون هم الذين خلصوا ونقوا من كل عيب (٦) ، وكانوا صيادين وقصارين يبيضون الثياب ، من التحوير وهو التبييض (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) أي الذين ينصرونه باذنه (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) بعيسى عليهالسلام ، لأنهم قالوا هو عبد الله ورسوله فرفع إلى السماء (وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ) منهم لقولهم هو ابن الله وشريكه فاقتتلت (٧) الطائفتان المؤمنة والكافرة فيه (فَأَيَّدْنَا) أي قوينا ونصرنا (الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ) الكافرين (فَأَصْبَحُوا) أي صاروا (ظاهِرِينَ) [١٤] أي غالبين على أعدائهم بنصرتنا وتأييدنا بالحجة.
__________________
(١) أخذه المفسر عن البغوي ، ٥ / ٣٧٢.
(٢) عليها ، ح و : ـ ي.
(٣) بوجوب ، ح : بوجود ، وي.
(٤) المال ، وي : الأموال ، ح.
(٥) «أنصار الله» : قرأ المدنيان والمكي والبصري بتنوين «أنصار» وزيادة لام مكسورة في لفظ الجلالة فيصير النطق بلام مسكورة بعدها لام مفتوحة مشددة ، والباقون بحذف تنوين «أنصار» وحذف اللام المكسورة من لفظ الجلالة. البدور الزاهرة ، ٣١٩.
(٦) ولم أجد له مأخذا في المصادر التي راجعتها.
(٧) فاقتتلت ، ح : فاقتتلتا ، وي.