(كَمَثَلِ الْحِمارِ) والكاف زائدة ، قوله (يَحْمِلُ أَسْفاراً) صفة بحكم زيادة اللام أو حال ، أي يحمل كتبا عظاما لا يدرك منها إلا ما يتعبه ولا ينتفع منها (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) الدالة على صدق محمد عليهالسلام وهي القرآن ، والمخصوص بالذم محذوف وهو هذا المثل (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [٥] أنفسهم بتكذيب الآيات والأنبياء.
(قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦))
قوله (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا) نزل حين قالت اليهود نحن أولى بالله من غيرنا (١) ، فقال تعالى قل يا محمد يا أيها اليهود (إِنْ زَعَمْتُمْ) أي إن ادعيتم (أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ) أي أحباؤه (مِنْ دُونِ النَّاسِ) جميعا (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) وقولوا اللهم أمتنا (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [٦] فيما تزعمون.
(وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧))
(وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً) أي لا يسألونه من الله قط لعلمهم أنهم كاذبون في دعويهم (بِما قَدَّمَتْ) أي بسبب ما قدمت (أَيْدِيهِمْ) من الكفر والمعصية (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [٧] أي بحالهم التي هي عدم تمنيهم الموت ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفس محمد بيده لا يقولها أحد منكم إلا غص بريقه» (٢) ، يعني مات من ساعته.
(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨))
(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) أي من تمنيه أو من سببه وهو الجهاد (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) أي نازل بكم لا محالة ، والفاء في (فَإِنَّهُ) لتضمن الذي بمعنى الشرط ، يعني إن فررتم من الموت سواء كان قتلا أو غيره فلا تفوتونه (ثُمَّ تُرَدُّونَ) بعد الموت (إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) وهو الله (٣)(فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [٨] أي يخبركم ويجازيكم بأعمالكم في الدنيا.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩))
قيل : قال الأنصار للمسلمين : لليهود يوم يجتمعون فيه في كل أسبوع وللنصارى مثل ذلك ، فهلموا نجعل لنا يوما نجتمع فيه فنذكر الله ونصلي فيه ، ونجعله يوم العروبة ، فاجتمعوا إلى سعيد بن زرازة فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم ، فسموه يوم الجمعة ، فأنزل الله تعالى آية الجمعة وهي قوله (٤)(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ) أي أذن (لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) وهو بيان ل (إِذا) وتفسير له ، أي يوم الفوج المجموع ، وقيل : أول من سماه يوم الجمعة كعب بن لؤي (٥) لاجتماع القوم فيه للصلوة ، وكان اسمها العروبة ، وأول جمعة جمعها النبي عليهالسلام في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قريب المدينة لما روي : أنه صلىاللهعليهوسلم لما هاجر مكة نزل قباء على بني عمرو بن عوف ، وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، وأسس مسجدهم ، ثم خرج يوم الجمعة عامدا المدينة فأدركته صلوة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم فخطب وصلى الجمعة (٦) ، وجواب «إذا» (فَاسْعَوْا) أي امضوا واذهبوا بالسكون والوقار ، وليس المراد من السعي الإسراع لقوله عليهالسلام : «إذا أقيمت الصلوة فلا تأتوها تسعون ولكن ائتوها تمشون (٧) ، وعليكم السكينة والوقار» (٨)(إِلى ذِكْرِ اللهِ) أي إلى
__________________
(١) لعل المفسر اختصره من القرطبي ، ١٨ / ٩٦.
(٢) انظر الكشاف ، ٦ / ١١٢. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(٣) وهو الله ، وي : بعد الموت ، ح.
(٤) عن ابن سيرين ، انظر البغوي ، ٥ / ٣٧٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ١١٣.
(٥) نقله المفسر عن البغوي ، ٥ / ٣٧٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ١١٣.
(٦) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٦ / ١١٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨.
(٧) تمشون : وهذه الكلمة موجودة في رواية مسلم وابن ماجة ، أثبتناها ليفهم المعنى بسهولة.
(٨) رواه ابن ماجة ، المساجد ، ١٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٣٧٨.