الصلوة التي فيها ذكر الله أو إلى الخطبة (وَذَرُوا الْبَيْعَ) أي اتركوا البيع والشراء ، فهو من قبيل الاكتافاء ، وفيه إيماء إلى ترك كل ما يذهل عن ذكر الله من شواغل الدنيا ، وخص ذكر (الْبَيْعَ) من بينها ، لأن يوم الجمعة يوم يجتمع الناس فيه من كل (١) أوب من قراهم وبواديهم ، فاذا انتفخ النهار تحر (٢) التجارة ويتكاثر البيع والشراء ، قيل : «إذا زالت الشمس يوم الجمعة حرم البيع» (٣) ، وقيل : «حرم في الأذان عند خروج الإمام إلى المنبر» (٤) ، وقيل : «عند النداء يوم الجمعة بالصلوة حتى تقضى لكن العقد جائز» (٥) ، لأنه منهي لغيره كالوضوء بالماء المغصوب (ذلِكُمْ) أي ترك البيع والسعي إلى الصلوة واستماع الخطبة (خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [٩] أنه كذلك ، قال عليهالسلام : «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أهبط إلى الأرض ، وفيه تقوم الساعة ، وهو عند الله يوم المزيد» (٦) ، أي يوم يزيد فيه الخير ، وعنه صلىاللهعليهوسلم : «ان لله في كل يوم جمعة ستمائة ألف عتيق من النار» (٧) ، وعنه صلىاللهعليهوسلم : «من مات يوم الجمعة كتب الله له أجر شهيد ووقى فتنة القبر» (٨).
(فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠))
ثم بين وقت الإباحة فقال (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) لحوائجكم (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) أي اطلبوا إن شئتم من رزقه وهو طلب الحلال وطلب العلم (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) باللسان (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [١٠] بالدخول إلى الجنة.
(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١))
قوله (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً) نزل حين قدم دحية الكبي بالعير مع بر وشعير من الشام ، وكان في المدينة قحط شديد ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يخطب في الجمعة ، وسمع القوم صوت الطبل فانفضوا إليه ، فما بقي عنده عليهالسلام إلا اثنا عشر رجلا أو أحد عشر أو ثمانية أو أربعون (٩) ، فأخبر تعالى أنهم إذا رأوا تجارة ، أي تجارة دحية (أَوْ لَهْواً) أي صوت الطبل (انْفَضُّوا) أي ذهبوا عنك (إِلَيْها) إي إلى التجارة ، ولم يقل إليهما لأن المطلوب عندهم هو التجارة أو هو من قبيل الاكتفاء ، إذ التقدير : إذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهوا انفضوا إليه فحذف أحدهما لدلالة الآخر عليه (وَتَرَكُوكَ قائِماً) أي في الخطبة (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ) أي الذي عنده من الثواب أو من الرزق المقدر (خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) لكم (وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [١١] لأنه لم يكن يفوتكم الرزق منه تعالى ، روي عن النبي عليهالسلام : «والذي نفسي بيده لو خرجوا جميعا لأضرم الله عليهم الوادي نارا» (١٠) ، قيل : لو بقي الإمام وحده أو مع أقل من ثلاثة يستأنف الظهر إذا نفروا عنه قبل الركوع عند أبي حنيفة رحمهالله ، وعند باقي العلماء إذا كبروهم معه مضى فيها (١١).
__________________
(١) من كل ، وي : ـ ح.
(٢) تحر ، وي : تجر ، ح.
(٣) عن الضحاك ، انظر البغوي ، ٥ / ٣٧٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٦٣ (عن الحسن).
(٤) عن الزهري ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٦٣ ؛ والبغوي ، ٥ / ٣٧٨.
(٥) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٦٣.
(٦) أخرجه مسلم ، الجمعة ، ١٧ ، ١٨ ؛ وأبو داود ، الصلوة ، ٢٠٧ ؛ والترمذي ، الصلوة ، ٣٥٤ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ١١٣.
(٧) انظر الكشاف ، ٦ / ١١٣. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(٨) روى أحمد بن حنبل نحوه ، ٢ / ١٧٦ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ١١٣.
(٩) اختصره المفسر من السمرقندي ، ٣ / ٣٦٣ ؛ والكشاف ، ٦ / ١١٥ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٣٥٢.
(١٠) انظر الكشاف ، ٦ / ١١٥. ولم أعثر عليه بهذا اللفظ في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(١١) هذه الأقوال منقولة عن الكشاف ، ٦ / ١١٥.