منا أراد نفسه (مِنْهَا) أي من المدينة (الْأَذَلَّ) بالنصب مفعوله ، أراد النبي عليهالسلام وأصحابه فقال (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) أي الغلبة والقهر على غيره (وَلِرَسُولِهِ) باظهار دينه (وَلِلْمُؤْمِنِينَ) بنصرهم على الكافرين (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [٨] ذلك ، روي : أن ابن عبد الله قال له لئن لم تقر لله ورسوله بالعزة لأضربن عنقك ، فقال : ويحك أفاعل أنت؟ قال : نعم ، فلما رأى منه الجد قال : أشهد أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ، فقال رسول الله عليهالسلام لابنه جزاك الله عن رسول الله وعن المؤمنين خيرا (١).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩))
ثم نبه المؤمنين وحثهم على العمل الصالح فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ) أي لا تشغلكم (أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) أي عن كل كلمة التوحيد أو الصلوات الخمس أو عن كل طاعة (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي الشغل عما نهوا عنه وما أمروا به (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) [٩] أي المغبونون بذهاب الدنيا والآخرة.
(وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠))
(وَأَنْفِقُوا) مما (رَزَقْناكُمْ) «مِنْ» فيه للتبعيض والمراد الإنفاق الواجب ، أي تصدقوا من أموالكم في طاعة الله (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) أي أسبابه ودلائله آيسا معها من الإمهال (فَيَقُولَ رَبِّ) أي يا رب (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي) أي هلا أمهلتني من الموت (إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) أي إلى وقت قليل (فَأَصَّدَّقَ) أي أتصدق ، يعني أخرج صدقة مالي بالنصب بعد الفاء في جواب «لَوْ لا» (وَأَكُنْ) بالنصب عطفا على «أصدق» وبالجزم عطفا على محله (٢) ، لأنه جواب الشرط ، كأنه قيل إن أخرتني أصدق وأكن (مِنَ الصَّالِحِينَ) [١٠] وعن ابن عباس رضي الله عنه : «تصدقوا قبل أن ينزل عليكم سلطان الموت فلا تقبل توبة ولا ينفع عمل» (٣) ، وعنه : «أنها نزلت في مانعي الزكوة والله لو رأى خيرا ـ أي المؤمن ـ عند الموت فما سأل الرجعة» (٤) ، قال الحسن : «ما من أحد لم يصل ولم يزك ولم يصم ولم يحج إلا سأل الرجعة» (٥).
(وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١))
(وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً) عن الموت (إِذا جاءَ أَجَلُها) أي وقتها (وَاللهُ خَبِيرٌ) أي عالم (بِما تَعْمَلُونَ) [١١] بالتاء والياء (٦) من خير وشر فيجازيكم عليه ، أعلم الله به أن تأخير الموت عن وقته مما لا سبيل له وإنه عالم بالأعمال ومجاز عليها من منع واجب وغيره فلم يبق إلا المسارعة إلى الخروج عن عهدة الواجبات والاستعداد للقاء الله تعالى قبل حلول الأجل.
__________________
(١) هذا منقول عن الكشاف ، ٦ / ١١٧.
(٢) «وأكن» : قرأ أبو عمرو بزيادة واو بين الكاف والنون مع نصب النون ، وغيره بحذف الواو وإسكان النون. البدور الزاهرة ، ٣٢١.
(٣) انظر الكشاف ، ٦ / ١١٨.
(٤) انظر الكشاف ، ٦ / ١١٨.
(٥) انظر الكشاف ، ٦ / ١١٩.
(٦) «تعملون» : قرأ شعبة بياء الغيبة ، وغيره بتاء الخطاب. البدور الزاهرة ، ٣٢١.