سورة التغابن
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١))
(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي لا يخلو كل موجود فيهما عن تسبيحه وتقديسه (لَهُ الْمُلْكُ) على الحقيقة ، لأنه مبدع كل شيء (وَلَهُ الْحَمْدُ) أي هو ولي الحمد لا غيره على الحقيقة ، لأن كل نعمة منه لا من غيره ، وقدم الظرفان ليدل على هذا الاختصاص ، لأن الملك كله لله بالإبداء والإبداع والقيام به والحفظ عليه ، أما ملك غيره فتسلط منه واسترعاء فيكون مجازا ، وكذلك الحمد كله له تعالى ، لأن أصول النعم وفروعها منه أما حمد غيره فاعتداد بأن نعمة الله جرت على يده (١)(وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [١] أي هو قادر على ما يشاء في خلقه من التوفيق والخذلان.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢))
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) من نفس واحدة (فَمِنْكُمْ) أي بعضكم (كافِرٌ) بخالقه (وَمِنْكُمْ) أي بعضكم (مُؤْمِنٌ) بخالقه ، وقدم الكفر لكثرته (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [٢] أي عالم بكفركم وإيمانكم الصادرين منكم وإن كانا مقدرين في علمه تعالى ، المعنى : أنكم استويتم في خلق الله الذي هو تفضل عليكم بالإيجاد من العدم فمقتضاه أن تشكروا له فما فعلتم مع تمكنكم عليه بل تفرقتم أمما واختلفتم في أحوالكم وأعمالكم من الكفر والإيمان والمعصية والطاعة ، والله يعلم بذلك كله فاحذروه.
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣))
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) أي هو خلقهما بالحكمة البالغة وهي أن جعل السموات سقفا ليرزق عباده منها وجعل الأرض مقرا للمكلفين ليعملوا فيها فيجازيكم بالثواب والعقاب (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) بأن جعل الآدمي منتصبا غير منكب مع شكل جميل ولسان ذلق ويد وأصابق يقبض بها ويعطى بها فهو أحسن الحيوان كله صورة وشكلا وإن كان بعض أفراده دميما (٢) مشوه الصورة تقبحه (٣) العيون ، قوله (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [٣] تهديد للعباد ليكونوا على الحذر دائما ، لأنه مطلع على الكليات والجزئيات.
(يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤))
هو (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ) في قلوبكم (وَما تُعْلِنُونَ) بألسنتكم (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [٤] أي بضمائر القلوب ، فحقه أن يتقى ويحذر من عمل يخالف رضاه ، وتكرير العلم (٤) يدل على تكرير الوعيد.
__________________
(١) على يده ، ح و : ـ ي.
(٢) دميما ، ح و : ذميم ، ي.
(٣) تقبحه ، ح ي : تقتحمه ، و.
(٤) العلم ، ح و : العمل ، ي.