(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٥))
ثم زاد ذلك بقوله (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) يا كفار مكة (نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي خبرهم (مِنْ قَبْلُ) أي قبلكم (فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) أي عقوبة عملهم في الدنيا (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [٥] أي دائم في الآخرة.
(ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦))
قوله (ذلِكَ) إخبار عن سبب نزول عذابهم ، أي العذاب النازل بهم في الدنيا (بِأَنَّهُ) أي بسبب أن الشأن (كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي الأمر والنهي أو الحجج الواضحة على الإيمان ، وأنث اسم «كان» باعتبار القصة (فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) أي آدمي مثلنا يرشدنا إلى دين غير ديننا (فَكَفَرُوا) بالرسل وبما جاؤا به (وَتَوَلَّوْا) أي أعرضوا عن الإيمان (وَاسْتَغْنَى اللهُ) أطلق الاستغناء فيه ليتناول كل شيء ، ومن جملته إيمانهم وطاعتهم ، أي أظهر غناه عن كل خلقه وإيمانهم (وَاللهُ غَنِيٌّ) في الأزل عن كل شيء (حَمِيدٌ) [٦] أي محمود على كل صنعه.
(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧))
(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي ادعى مشركو مكة (أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) يوم القيامة (قُلْ) يا محمد لهم (بَلى) وهو تصديق لما بعد النفي بكلمة (لَنْ) ، ثم أكد بواو القسم في (وَرَبِّي) أي أقسم به (لَتُبْعَثُنَّ) بعد الموت (ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ) أي لتخبرن (بِما عَمِلْتُمْ) في الدنيا فيجازيكم (١) عليه (وَذلِكَ) أي البعث والجزاء (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) [٧] أي هين عليه.
(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨))
(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا) أي القرآن الذي نزل به جبرائيل على محمد عليهالسلام ليخرجكم من ظلمة الجهل إلى نور العلم (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [٨] من الإيمان والكفر فيجازيكم بهما.
(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩))
(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) فتعلق الظرف ب (خَبِيرٌ) أو العامل فيه مقدر ، أي اذكر يوم يجمعكم بالبعث من قبوركم (لِيَوْمِ الْجَمْعِ) أي ليوم يجمع فيه الخلائق من الأولين والآخرين (ذلِكَ) أي اليوم (يَوْمُ التَّغابُنِ) وهو أن يغبن القوم بعضهم بعضا ، أي يوم يغبن فيه المؤمنون الكافرين بأخذ منازلهم وأهلهم المعد لهم في الجنة أو آمنوا ، وفيه اختصاص للتغابن في يوم الجمع مع أن الناس يتغابنون في أمور الدنيا أيضا إجلالا لذلك اليوم وإعظاما لهوله ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما من عبد يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار ، لو أساء ليزداد شكرا ، وما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة ، لو أحسن ليزداد حسرة» (٢)(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً) أي من يوحد الله ويؤد فرائضه (يُكَفِّرْ عَنْهُ) أي يغفر له (سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ) بالنون والياء فيهما (٣)(جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) أي لا يخرجون عنها (أَبَداً ذلِكَ) أي خلودهم فيها (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [٩] أي النجاة الوافرة.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠))
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) أي القرآن والرسول (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [١٠] أي الذي يصير إليه المكذبون النار.
__________________
(١) فيجازيكم ، وي : ويجازيكم ، ح.
(٢) رواه البخاري ، الرقاق ، ٥١ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ١٢١.
(٣) «يكفر» ، «ويدخله» : قرأ المدنيان والشامي بالنون في الفعلين ، والباقون بالياء التحتية فيهما. البدور الزاهرة ، ٣٢١.