سورة الطلاق
مدنية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١))
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ) أفرده بالخطاب أولا تعظيما له ثم خاطب بالجمع وأراد به رسوله محمدا عليهالسلام مع أمته تشريفا لهم فقال (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) أي إذا أردتم طلاق نسائكم اللاتي هن ذوات الأقراء (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) أي في أول طهر يعتد به (١) وهو طهر لم يجامعها زوجها فيه حائلا (٢) كانت أو حاملا وهو الطلاق السني ، فطلاق الحائض والنفساء بدعي لما روي عن النبي عليهالسلام أنه قال لعمر : «مر ابنك أن يراجع امرأته ، ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» (٣) ، والحكم بالمراجعة يدل على وقوع الطلاق البدعي ، وعن الشافعي رحمهالله لا بأس بارسال الثلث ، وقال : لا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة وهو مباح (٤) ، فالمراد من (النِّساءَ) المدخول بهن من المعتدات بالحيض لقوله (لِعِدَّتِهِنَّ) ، إذ لا عدة (٥) لغيرهن فيكون معنى (لِعِدَّتِهِنَّ) لقبل عدتهن ، فاللام بمعنى في ، أي في وقت يكن طاهرات من غير جماع ، لأنه ربما يندم الرجل على امرأة يطلقها ، فاذا كانت طاهرة لم يجامعها ، فان بدا له أن يمسكها أمسكها وإن بدا له أن يخلي سبيلها يخلي سبيلها (٦) ، هكذا روي عن علي رضي الله عنه (٧)(وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) أي اضبطوها واحفظوا عدد الأقراء واكملوها ثلاثة مستقلات بلا نقصان ، وإنما أمر الرجال بالحفظ لأن في النساء غلفة فربما لا تحفظها ، قيل : الصغيرة والآيسة والحامل كلهن عند أبي حنيفة وأبي يوسف يفرق عليهن الثلاث في الأشهر وغير المدخول لا يطلق للنسة إلا واحدة ولا يراعى الوقت ، وقال غيرهما الحامل لا تطلق للسنة إلا واحدة كغير المدخول بها ، إذ لا حيض لها فلا يراعى الوقت (٨)(وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ) فيما أمركم به من الطلاق في طهرهن فلو طلقها زوجها في الحيض فقد أساء ووقع الطلاق عليها وفاقا منهم (لا تُخْرِجُوهُنَّ) باختيارهن إن طلبن الخروج (مِنْ بُيُوتِهِنَّ) اللاتي يسكنها إذا طلقتموهن حتى تنقضي عدتهن (وَلا يَخْرُجْنَ) بغير اختيارهن من بيوتهن إن طلبتم خروجهن غضبا عليهن وكراهة لمساكنتهن ، إذ لا أذن لكم في رفع الحظر (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) وهي أن تأتي حدا فتخرج بالضرورة لإقامته عليها ثم تعود (وَتِلْكَ) أي الأحكام المذكورة (حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ) أي يتركها (فَقَدْ ظَلَمَ) أي أضر (نَفْسَهُ لا تَدْرِي) أي لا تعلم ما يحدث لك بعد البينونة (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ) أي بعد (٩) الطلاق (أَمْراً) [١] وهو أن يندم الزوج لحبها أو
__________________
(١) يعتد به ، وي : تعتد به ، ح.
(٢) حائلا ، ح و : حابلا ، ي.
(٣) رواه البخاري ، الطلاق ، ١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٣٩٩ ؛ والكشاف ، ٦ / ١٢٣.
(٤) هذا القول منقول عن الكشاف ، ٦ / ١٢٣.
(٥) إذ لا عدة ، وي : ـ ح.
(٦) يخلي سبيلها ، ح و : ـ ي.
(٧) انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٧٤.
(٨) وهذه الآراء مأخوذة عن الكشاف ، ٦ / ١٢٣ ـ ١٢٤.
(٩) بعد ، ح : ـ وي.