(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (٩))
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي كم من أهل قرية (عَتَتْ) أي عصت (عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ)(١) الذي أمرها به استكبارا (فَحاسَبْناها) أي جازينا (٢) تلك القرية بعملها (حِساباً شَدِيداً) بالقحط والسيف في الدنيا (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) [٨] وهو النار في الآخرة (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها) أي جزاء ذنبها (وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها) أي صار آخره (خُسْراً) [٩] أي ندامة وهلاكا.
(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠))
(أَعَدَّ) أي هيأ (اللهُ لَهُمْ) أي لأعدائه (عَذاباً شَدِيداً) في الآخرة ، إذ لم يرجعوا عن كفرهم ولم يكن ما أصابهم في الدنيا كفارة لذنوبهم ، ثم أمر الله تعالى للمؤمنين لطفا منه بتقواه معتبرين بحال الهالكين بترك ما أمرهم به بقوله (فَاتَّقُوا اللهَ) أي اخشوه وأطيعوه فيما يأمركم به وينهاكم عنه (يا أُولِي الْأَلْبابِ) أي يا ذوي العقول الخالصة (الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) [١٠] أي كتابا شريفا وهو القرآن.
(رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً (١١))
قوله (رَسُولاً) بدل من (ذِكْراً) أو نصب بمضمر ، أي أرسل رسولا إليكم أو (٣) ذا رسول أو برسول نعت «ذِكْراً» (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ) أي يقرأ ويعرض عليكم آيات القرآن (مُبَيِّناتٍ) أي واضحات الأحكام بألسنتكم (لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوه (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي الطاعات بما فيه (مِنَ الظُّلُماتِ) أي من حجب الكفر (إِلَى النُّورِ) أي إلى الإيمان أو من ظلمة الجهل إلى نور العلم أو من الشك إلى اليقين (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) أي يثبت على الإيمان (وَيَعْمَلْ صالِحاً) أي يؤد فرائض الله وسنن الرسول (يُدْخِلْهُ) بالياء والنون (٤)(جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أي دائمين فيها بعد البعث (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ) أي جمل للمؤمن (رِزْقاً) [١١] أي ثوابا عظيما في الجنة ، وفيه معنى التعجب والتعظيم.
(اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (١٢))
قوله (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ) مبتدأ وخبر ، تأكيد لإحسانه على خلقه (وَ) خلق (مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) أي كعدد السموات صرح هنا به أن الأرض سبع لا في موضع آخر ، قيل : بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام كما بين كل سماوين وغلظ كل منهما (٥) كذلك (٦) ، وقيل : في كل أرض خلق الله لهم سادة يقومون عليهم مقام آدم ونوح وإبراهيم وعيسى عليهم الصلوة والسّلام أجمعين (٧)(يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ) أي يجري أمر الله وحكمه (بَيْنَهُنَّ)(٨) بالوحي بين كل سماء وبين كل أرض ، فينزل جبرائيل من السماء السابعة إلى الأرض السفلي وينفذ ملك الله فيهن ، ولا مانع عنه ، ففي كل سماء وفي كل أرض خلق من خلقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه (لِتَعْلَمُوا) أيها الناس بنور العقل (أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) [١٢] أي أحاط علمه بكل شيء في الوجود.
__________________
(١) أي ، + ح.
(٢) جازينا ، وي : جازيناها ، ح.
(٣) إليكم أو ، و : أي ، ح ، ـ ي.
(٤) «يدخله» : قرأ المدنيان والمكي والبصريان وشعبة ، وكسرها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٣٢٢.
(٥) منهما ، وي : منها ، ح.
(٦) أخذه عن الكشاف ، ٦ / ١٢٧.
(٧) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٨) أي ، + وي.