(وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣))
(وَإِذْ) أي ويعلم حين (أَسَرَّ النَّبِيُّ) أي أخفى من الغير (إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ) وهي حفصة (حَدِيثاً) أي حديث مارية وخلافة الشيخين بعده عليهالسلام (فَلَمَّا نَبَّأَتْ) أي أخبرت حفصة عائشة (بِهِ) أي بذلك الحديث (وَأَظْهَرَهُ)(١) أي أعلم (اللهُ) قولها (عَلَيْهِ) أي على رسوله محمد عليهالسلام بسبب جبرائيل (عَرَّفَ بَعْضَهُ) بالتخفيف ، أي جازى الرسول عليهالسلام حفصة على بعض ما أفشت من سره لعائشة وهو حديث مارية ، فقال : لم أفشيته ولم تحفظي سري وضاق صدره منه ، وقرئ بالتشديد (٢) أصله أعلمه حفصة موبخا بعد ما حدثت لعائشة ، وإنما لم يقل فلما نبأت به بعضهن وعرفها بعضه بذكر مفعول (نَبَّأَتْ) والمفعول الأول ل (عَرَّفَ) ، لأن الغرض ذكر جناية حفصة في وجود الإنباء به من قبلها لا بيان من المذاع إليه ، وذكر أن رسول الله عليهالسلام لم يوجد منه بحلمه إلا الإعلام ببعضه وهو حديث الامامة (٣) مارية لا بيان من المعرف (وَأَعْرَضَ) أي سكت (عَنْ بَعْضٍ) أي عن أمر الخلافة ولم يذكر لحفصة لم أفشيته ، يعني أمر الخلافة تكرما منه عليهالسلام في عدم الاستقصاء بالجزاء لها (فَلَمَّا نَبَّأَها) أي نبأ النبي عليهالسلام حفصة (بِهِ) أي بما نبأت من الخبر عائشة (قالَتْ) حفصة (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا) أي المنبأ به الذي صدر مني (قالَ) صلىاللهعليهوسلم (نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ) بكل شيء (الْخَبِيرُ) [٣] من كل سر.
(إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤))
ثم التفت من الغيبة إلى الخطاب مبالغة في العتاب فقال (إِنْ تَتُوبا) يا عائشة وحفصة (إِلَى اللهِ) من فعلكما الذي كرهه النبي عليهالسلام ، وجواب الشرط محذوف ، أي قبلت توبتكما (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) أي زاغت ومالت عن (٤) الحق وهو أن تسروا ما كره النبي عليهالسلام من تحريم مارية وجمع القلوب والمراد قلبا كما فرارا من اجتماع تثنيتين في كلمة واحدة (وَإِنْ تَظاهَرا) بالتخفيف والتشديد (٥) ، أي إن تعاونوا (عَلَيْهِ) أي على أذاه (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) أي ناصره البتة (وَجِبْرِيلُ) وهو رأس الكروبيين (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) واحد أريد به الجمع ، أي كل من آمن وعمل صالحا أو من (٦) برئ من النفاق وهو عطف على الضمير المستتر في «مولاه» الراجع إلى الله ، يعني هم ينصرونه كما ينصره الله ، قوله (وَالْمَلائِكَةُ) مبتدأ ، أي الملائكة مع تكاثرهم (بَعْدَ ذلِكَ) أي بعد نصر المذكورين ، خبره (ظَهِيرٌ) [٤] أي ظهراؤه وأعوانه ولم يكتف بنصر الله وهو أعظم الأنصار إيذانا بأنه فضل نصرته بنصرتهم (٧) لفضلهم على سائر خلقه وفي الحقيقة نصرتهم من جملة نصرة الله.
(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (٥))
قوله (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ) لعصيانكن (٨)(أَنْ يُبْدِلَهُ) بالتخفيف والتشديد (٩)(أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ) تخويف لهن رسوله المكرم عنده (١٠) إن لم يتبن مما يسوءه ويؤذيه ، لأنه عليهالسلام إذا طلقهن لعصيانهن له لم يبقين
__________________
(١) الله ، + ح.
(٢) «عرف» : قرأ الكسائي بتخفيف الراء ، وغيره بتشديدها. البدور الزاهرة ، ٣٢٣.
(٣) الامامة ، ح : ـ وي.
(٤) عن ، ح : إلى ، وي ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٨٠.
(٥) «تظاهرا» : قرأ الكوفيون بتخفيف الظاء ، والباقون بتشديدها. البدور الزاهرة ، ٣٢٣.
(٦) من ، وي : ـ ح.
(٧) بنصرتهم ، ح و : ـ ي.
(٨) لعصيانكن ، وي : لعصيانهن ، ح.
(٩) «يبدله» : قرأ المدنيان والبصري بفتح الباء وتشديد الدال ، وغيرهم باسكان الباء وتخفيف الدال. البدور الزاهرة ، ٣٢٣.
(١٠) عنده ، وي : ـ ح.