سورة الملك
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١))
(تَبارَكَ) أي تعالى وتعاظم عن صفات المحدثين (الَّذِي بِيَدِهِ) أي في تصرفه (الْمُلْكُ) أي سلطان كل موجود فينبغي أن يوحد ويتوكل عليه من آمن به (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [١] من النفع والضر والعز والذل.
(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢))
قوله (الَّذِي خَلَقَ) بدل من (الَّذِي) قبل أو هو الذي خلق (الْمَوْتَ) في الدنيا (وَالْحَياةَ) في الآخرة أو كلاهما في الدنيا ، وقدم (الْمَوْتَ) ، لأنه أسبق في الإنشاء كالنقطة ، والحيوة عبارة عما يصح الإحساس بوجوده في شيء ، والموت عبارة عن عدم ذلك فيه ، فمعنى (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) إيجاده تعالى ذلك المصحح وإعدامه ، والمعنى : خلق موتكم وحيوتكم أيها المكلفون (لِيَبْلُوَكُمْ) أي ليختبركم ويعلمكم فيما بين الموت والحيوة (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي أورع وأسرع إلى الطاعة بالإخلاص ، يعني ليعلم في الوجود واقعا ما يعلم في الأزل أنه يصدر منهم باختيارهم ، فكأنه ابتلاهم بخلقهما فيهم ، وسمي علم الواقع منهم بلاء ، فالبلاء ههنا (١) تضمن معنى العلم فتعلق بالجملة بعده ، إذ الأصل أن يكون متعلقة مفردا ، فالجملة في محل النصب على أنها مفعول ثان له نحو علمت عمروا أزيد أحسن عملا أم هو (وَهُوَ الْعَزِيزُ) أي المنتقم للمعرض عن العمل الأحسن (الْغَفُورُ) [٢] لمن تاب من الإعراض عنه.
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣))
قوله (الَّذِي) بدل آخر أو هو الذي (خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) مصدر ، أي أطبق بعضها فوق بعض طباقا مثل القبة ، فهي طبقات متباينة غير مماسة ، قوله (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ) خطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم أو عام ، أي لا تبصر في خلق الله (مِنْ تَفاوُتٍ) و «تفوت» بالتشديد (٢) ، أي تباين واختلاف ، المعنى : أن خلق الرحمن يناسب بعضه بعضا من غير خلل ونقصان كما في خلق السموات ، فانها سليمة من التفاوت ، أي لا يفوت من بعضها شيء لا بد منه ، وأضافه إلى (الرَّحْمنِ) تنبيها على سبب سلامتهن من التفاوت ، وهو أنه خلق الرحمن وتعظيما لخلقهن ، إذ لا يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب إلا هو بقدرته الباهرة (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) أي رده إلى السماء ليصح عندك ما أخبرت به بالمعاينة (هَلْ تَرى) فيها (مِنْ فُطُورٍ) [٣] أي شقوق ، جمع فطر وهو الشق.
__________________
(١) ههنا ، وي : هنا ، ح.
(٢) «تفاوت» : قرأ الأخوان بحذف الألف بعد الفاء وتشديد الواو ، والباقون باثبات الألف وتخفيف الواو. البدور الزاهرة ، ٣٢٤.