(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤))
(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ) أي لا تقتنع بالرجع الأول بل ارجعه (كَرَّتَيْنِ) أي كرة بعد كرة ، يعني كرر نظرك لترى خللا ، فان الإنسان إذا نظر إلى شيء مرة لا يرى عيبه (١) ما لم ينظر مرة أخرى فيه ، قوله (يَنْقَلِبْ) جواب الأمر ، أي يرجع (إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً) أي ذليلا مبعدا عن إدراك عيب ما (وَهُوَ حَسِيرٌ) [٤] أي كليل منقطع عن إدراك ما نظر فيه قبل أن يرى فيه خللا.
(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٥))
(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) أي القربى إلى الأرض (بِمَصابِيحَ) أي بالنجوم وهي كالسرج في المساجد والبيوت في الإضاءة والزينة (وَجَعَلْناها) أي النجوم سوى الزينة (رُجُوماً) أي مراجم ، جمع رجم ، مصدر سمي به ما يرمى به رميا (لِلشَّياطِينِ) الذين هم أعداؤكم إذا قصدوا استراق السمع ، لأنهم يخرجونكم من النور إلى الظلمات ، قيل : ينفصل الشهاب من النجم كالقبس من النار والنجم في مكانة لا يزول عنه فمنهم من يقتله الشهاب ومنهم من يخبله (٢)(وَأَعْتَدْنا لَهُمْ) أي هيأنا للشياطين في الآخرة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا (عَذابَ السَّعِيرِ) [٥] أي الوقود ، عن قتادة : «خلق الله النجوم لثلاث وزينة للمساء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدون بها ، فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف ما لا علم به» (٣).
(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧))
(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي جحدوا (بِرَبِّهِمْ) أي بوحدانيته من الشياطين وغيرهم (عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [٦] هي (إِذا أُلْقُوا فِيها) أي طرح الكفار في جهنم (سَمِعُوا لَها) أي لأهلها المطروحين قبلهم أو من أنفسهم أو للنار (شَهِيقاً) أي صوتا منكرا كصوت الحمار (وَهِيَ تَفُورُ) [٧] أي جهنم تغلي بهم غليانا كما يغلي الماء الكثير بالحب القليل في المرجل.
(تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨))
(تَكادُ) أي تقرب النار (تَمَيَّزُ) أي تتفرق (مِنَ الْغَيْظِ) أي من غضبها على الكفار ، ويجوز أن يراد غيظ الزبانية (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها) أي في جهنم (فَوْجٌ) أي أمة من الأمم (سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها) توبيخا يزيد في عذابهم عذابا وحسرة (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) [٨] أي رسول ينذركم من النار.
(قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩))
(قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا) الرسل (وَقُلْنا) لهم (ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) أي (٤) مما يخبرون (٥) من الكتاب (إِنْ) أي ما (أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) [٩] أي في خطأ عظيم في قولكم أيها المرسلون ، ويجوز أن يكون من كلام الخزنة للكفار بتقدير القول وإرادة الهلاك من الضلال.
(وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠))
(وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ) إلى الحق (أَوْ نَعْقِلُ) الدليل الموصل إلى الهدى ، وجمع بينهما لكون مدار التكليف عليهما (ما كُنَّا) أي لم نكن (فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) [١٠] أي معهم.
__________________
(١) عيبه ، ح و : ـ ي.
(٢) لعل المؤلف اختصره من الكشاف ، ٦ / ١٣٥.
(٣) انظر الكشاف ، ٦ / ١٣٥.
(٤) أي ، ح : ـ وي.
(٥) يخبرون ، وي : تخبرون ، ح.