(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤))
ثم سلى نبيه عليهالسلام بقوله (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) أي دعني مع من يكذب بالقرآن فانا كافيكهم (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) أي سنمكن بهم درجة درجة (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [٤٤] أنه استدراج بتجديد النعمة ومد العمر مع الصحة التي هي إحسان الله وإفضال يوجب عليهم الشكر والطاعة إذا أحدثوا معصية ونسوا الاستغفار وتركوا الشكر واختاروا الكفر.
(وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥))
(وَأُمْلِي لَهُمْ) أي أمهلهم ليزدادوا إثما (إِنَّ كَيْدِي) أي مكري بسبب الإحسان إليهم (مَتِينٌ) [٤٥] أي قوي لا يدفع ، ووصفه بالمتانة لقوة أثر إحسانه في التسبب للهلاك.
(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧))
(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) أي جعلا على تبليغ الرسالة (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ) أي لأجل أدائه (مُثْقَلُونَ) [٤٦] أي ممتنعون فلا يؤمنون لذلك (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) أي اللوح (فَهُمْ) منه (يَكْتُبُونَ) [٤٧] ما يقولونه ويحكمون به.
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨))
(فَاصْبِرْ) يا محمد (لِحُكْمِ رَبِّكَ) أي لتبليغه فيهم بما شاء ، وإنهم إن أمهلوا لا يهملوا (وَلا تَكُنْ) في العجلة والغضب على قومك (كَصاحِبِ الْحُوتِ)(١) الذي غضب على قومه لعدم إيمانهم به فطال حزنه ، وهو يونس بن متى (إِذْ نادى) أي دعا في بطن الحوت (وَهُوَ مَكْظُومٌ) [٤٨] أي مملوء غما ، المعنى : لا يوجد منك ما وجد منه من الضجر فتبتلي ببلائه.
(لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩))
(لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ) أي لو لم تنله رحمة (مِنْ رَبِّهِ) بالتوفيق للتوبة وتاب عليه (لَنُبِذَ) أي لطرح (٢)(بِالْعَراءِ) أي بالصحراء التي لا نخل فيها ولا ماء (وَهُوَ مَذْمُومٌ) [٤٩] ولكنه رحم فنبذ غير مذموم وقد كان سقيما فشفيناه.
(فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢))
(فَاجْتَباهُ) أي تاب عليه وهداه أو اصطفاه (رَبُّهُ) بالنبوة (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [٥٠] أي من الأنبياء ، قيل : نزلت الآية بأحد حين حل لنبي عليهالسلام ما حل به (٣) ، و (إِنْ) مخففة في قوله (وَإِنْ يَكادُ) وعلمها اللام ، أي إن الشأن يقرب (الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقرآن (لَيُزْلِقُونَكَ) بضم الياء وفتحها (٤) ، أي ليزيلونك عن مكانه (بِأَبْصارِهِمْ) يعني يهلكونك باصابة العين (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) أي القرآن لكن الله يعصمك منها ، نزل حين نظروا إليه نظرا شديدا بغيظ وعداوة وحسد عند تلاوة القرآن عليهم (٥)(وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) [٥١] لقراءتك القرآن وللتنفير عنه وإلا فقد علموا أنك أعقلهم فأكذبهم بقوله (وَما هُوَ) أي القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) أي عظة (لِلْعالَمِينَ) [٥٢] أي للجن والإنس لا يحدث جنون (٦) لأحد يقرأه ، قيل : «دواء العين قراءة هذه الآية» (٧).
__________________
(١) أي ، + ح.
(٢) لطرح ، وي : أطرح ، ح.
(٣) نقله المفسر عن الكشاف ، ٦ / ١٤٧.
(٤) «ليزلقونك» : فتح الياء المدنيان ، وضمها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٣٢٥.
(٥) عن الزجاج ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٣٩ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٣٦٠ ـ ٣٦١.
(٦) جنون ، وي : جنونا ، ح.
(٧) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٣٩ ؛ والكشاف ، ٦ / ١٤٧.