(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (١١))
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) أي توبوا إليه (إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) [١٠] لمن تاب من الشرك والمعاصي وكان قد منع عنهم المطر وغارت مياههم تحت الأرض فقال (يُرْسِلِ السَّماءَ) أي المطر ، جواب الأمر ، شبه الاستغفار بالأنواء الصادقة التي لا تخطئ ، أي ينزل الله من السماء المطر بسبب الاستغفار أو المراد المظلة ، لأن المطر ينزل منها إلى السحاب ، ويجوز أن يراد السحاب ذو المطر (عَلَيْكُمْ مِدْراراً) [١١] أي كثير الدرور ، والدر المطر النازل من السماء ، وزنه مفعال ، يستوي فيه الذكر والأنثى كرجل معطار وامرأة معطار.
(وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (١٢))
(وَيُمْدِدْكُمْ) أي يعطكم (بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) أي أموالا وأولادا كما تشاؤن (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ) أي بساتين ذوات نعم (وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) [١٢] جارية في البساتين ، عن الحسن رضي الله عنه : «أن رجلا شكا إليه الجدب ، فقال : «استغفر الله» ، وشكا آخر الفقر ، وآخر قلة النسل ، وآخر قلة ريع أرضه ، وفأمرهم كلهم الاستغفار» (١).
(ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (١٤) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥))
(ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ) أي لا تأملون به (وَقاراً) [١٣] أي تعظيما لكم في دار الثواب بالإيمان به تعالى (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) [١٤] جمع طور وهي الحال ، فطورا نطفة وطورا علقة وطورا مضغة إلى تمام خلق الإنسان ، والمعنى : ما لكم لا تؤمنون بالله وهذه حالكم التي توجب الإيمان بخالقكم ، فالواو في (وَقَدْ خَلَقَكُمْ) للحال ، ثم قال تنبيها على النظر في العالم بعد التنبيه على النظر في أنفسهم ، لأنها أقرب منظور فيه منهم (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ) أي ألم تنظروا نظر عبرة كيف أحدث الله من العدم (سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) [١٥] أي مطبقا بعضها فوق بعض.
(وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (١٦))
(وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) أي ينورهن وهو في السماء الدنيا ، وإنما قال فيهن لأنه إذا كان في واحدة منهن فهو فيهن كما يقال إنه جالس في المدينة مع أنه في جزء منها (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) [١٦] أي مصباحا مضيئا تبصر به الأشياء ، قيل : «إنه تعالى جعل القمر والشمس وجوههما إلى السموات ونور القمر وضوء الشمس فيهن وجعل ظهريهما إلى الأرض» (٢).
(وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (١٨) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً (٢٠))
(وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أي خلقكم من تراب الأرض ، لأنه خلق آدم منه وخلقكم من آدم ، قوله (نَباتاً) [١٧] مصدر بمعنى إنبات (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها) أي في الأرض بعد موتكم (وَيُخْرِجُكُمْ) منها للبعث (إِخْراجاً) [١٨] أي حقا لا محالة (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً) [١٩] أي مبسوطة تتقلبون عليها (لِتَسْلُكُوا) أي لتأخذوا (مِنْها) أو تمضوا (سُبُلاً فِجاجاً) [٢٠] أي طرقا واسعة.
(قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَساراً (٢١) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (٢٢))
(قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ) أي قومي (عَصَوْنِي) فيما أمرتهم من توحيد الله (وَاتَّبَعُوا) أي أطاع فقراؤهم (مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ) وهم أغنياؤهم (إِلَّا خَساراً) [٢١] في الآخرة (وَمَكَرُوا) عطف على (لَمْ يَزِدْهُ) ، أي اتبعوا من مكروا وهم الرؤساء (مَكْراً كُبَّاراً) [٢٢] أي عظيما بتكذيب نوح وإيذائه وإيذاء متابعيه ، والكبار أبلغ من الكبير ، وجمع الضمير الراجع إلى (مَنْ) لأنه في معنى الجمع.
__________________
(١) انظر الكشاف ، ٦ / ١٦٠.
(٢) عن ابن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٥٨ ؛ والكشاف ، ٦ / ١٦١.