(وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (٢٣))
(وَقالُوا) أي الرؤساء للسفلة (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ) أي لا تتركن عبادة آلهتكم (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا) بضم الواو والفتح (١)(وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ) وهما لا ينصرفان للعجمة والتعريف أو لوزن الفعل والتعريف (وَنَسْراً) [٢٣] وهي (٢) أسماء رجال صالحين ماتوا (٣) ، فقال إبليس لمن بعدهم : لو صورتم صورهم فكنتم تنظرون إليهم ففعلوا ، فلما مات أولئك قال لمن بعدهم أنهم كانوا يعبدونهم فعبدوهم (٤) ، وقيل : هي أسماء أصنام لقوم نوح ، فأخرجها الشيطان من الأرض بعد الطوفان لمشركي العرب فعبدت كل قبيلة منهم واحدا منها (٥).
(وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً (٢٤) مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً (٢٥))
(وَقَدْ أَضَلُّوا) أي هذه الأصنام أو الرؤساء (كَثِيراً) من الناس ، قوله (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ) عطف على (رَبِّ) ، أي قال رب أنهم عصوني ولا تزد العاصين (إِلَّا ضَلالاً) [٢٤] أي هلاكا فأهلكوا (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) وقرئ «خطاياهم» (٦) ، أي من أجل ذنوبهم (أُغْرِقُوا) وقدم الصلة لبيان أنهم لم يعذبوا إلا من أجل عصيانهم (فَأُدْخِلُوا ناراً) أية نار ، وجيء بالفاء للإيذان بأنهم عذبوا بالإحراق عقيب الإغراق ، قيل : «إنهم كانوا يغرقون من جانب ويحرقون من جانب تحت الماء» (٧)(فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي من دون عذابه (أَنْصاراً) [٢٥] أي أعوانا تمنعهم من العذاب.
(وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً (٢٧))
(وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) [٢٦] أي أحدا ما ، أصله ديوار فيعال من الدور ، قيل : إنه يستعمل للنفي العام (٨)(إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ) أي إن (٩) تدعهم أحياء (يُضِلُّوا عِبادَكَ) من التوحيد إلى الكفر (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً) أي كذابا (كَفَّاراً) [٢٧] أي عظم (١٠) الكفر بنسبة الشريك والولد إليه تعالى ، قيل : إن نوحا قال ذلك بعد ما أوحي إليه «أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن (١١)» (١٢) ، وهذا الدعاء حسن جميل.
(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَباراً (٢٨))
ثم قال نوح عليهالسلام بعد الدعاء عليهم (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ) لمك وسمخاء كانا مؤمنين أو هما آدم وحواء (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ) أي منزلي أو مسجدي أو سفينتي (مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) إلى يوم القيامة (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ) أي الكافرين (إِلَّا تَباراً) [٢٨] أي هلاكا فأهلكوا بعد دعائه عليهم (١٣) وأغرق صبيانهم بنوع من أسباب الموت لا للعقاب ، وقيل : أعقم الله آباءهم وأمهاتهم قبل الطوفان بأربعين سنة ، فلم يبق معهم صبي حين أغرقوا (١٤) ، روي عن أصحاب النبي عليهالسلام : «أن نجاة المؤمنين يوم القيامة في ثلاثة أشياء ، بدعاء نوح ، وبدعاء إسحق حين أتاه جبرائيل عليهالسلام بالقربان ، وهو اللهم إن أدعوك أيما عبد لك من الأولين والآخرين لقيك لا يشرك بك شيئا إن تدخله الجنة ، وبشفاعة محمد عليهالسلام» (١٥).
__________________
(١) «ودا» : قرأ المدنيان بضم الواو ، وغيرهما بفتحها. البدور الزاهرة ، ٣٢٩.
(٢) وهي ، وي : وهم ، ح.
(٣) عن محمد بن كعب ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٥٨.
(٤) فعبدوهم ، ح و : ـ ي ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٤٥٨.
(٥) اختصره المؤلف من البغوي ، ٥ / ٤٥٩.
(٦) «خطيئاتهم» : قرأ أبو عمرو «خطاياهم» بفتح الخاء والطاء وألف بعدها وبعد الألف ياء بعدها ألف مع ضم الهاء بوزن قضاياهم ، والباقون بفتح الخاء وكسر الطاء وبعدها ياء ساكنة مدية وبعدها تاء مكسورة مع كسر الهاء. البدور الزاهرة ، ٣٢٩.
(٧) عن الضحاك ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٥٩ ؛ والكشاف ، ٦ / ١٦٣.
(٨) أخذ المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ٦ / ١٦٣.
(٩) إن ، ح : ـ وي.
(١٠) عظم ، ح و : عظيم ، ي.
(١١) هود (١١) ، ٣٦.
(١٢) أخذه المصنف عن الكشاف ، ٦ / ١٦٣.
(١٣) عليهم ، و : ـ ح ي.
(١٤) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٦ / ١٦٣.
(١٥) انظر السمرقندي ، ٣ / ٤٠٩.