(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً (٥) وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (٦))
(وَ) قالوا (أَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) [٥] نصب على المصدر ، لأن الكذب نوع من القول أو صفة مصدر محذوف ، أي قولا مكذوبا فيه بنسبة الزوجة والولد إليه تعالى ، وقرئ بالفتح كذلك قوله (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ) من كلام الله تعالى لا من كلام الجن ، قرئ بالكسر على الاستئناف ، وبالفتح على تقدير أوحي ، نزل توبيخا للإنس بأنهم صاروا سببا لزيادة ضلالة الجن (١) ، وذلك حين كان الرجل من العرب إذا سافر فنزل بواد مخوف خال عن المونس استعاذ بسيد ذلك المكان ، وهو كبير الجن بقوله أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهائه فيكون في أمانهم تلك الليلة ، فاذا سمعوا ذلك استكبروا ، وقالوا سيدنا الجن والإنس فزادوا باستعاذتهم لهم طغيانا وسفها ، وبذلك افتخروا (٢) ، فأخبر تعالى أنه كان رجال من الإنس (يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ) أي زاد الإنس الجن (رَهَقاً) [٦] أي طغيانا وإثما بأن عاذوا بهم.
(وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً (٧) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (٨))
وكذا قوله في القراءتين (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ) يا كفار مكة (أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) [٧] بعد موته ، فكفروا كما كفرتم ، ثم رجع إلى كلام الجن فقال (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) أي صعدنا إليها لاستراق السمع ، من اللمس وهو المس ، فاستعير لطلب شيء ، قرئ فيه بالكسر على الاستئناف ، وبالفتح على سبيل الحكاية وكذا في كل ما كان من كلام الجن بعده (فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً) أي جمعا قويا على الحراسة يحفظونها على استماع القول من الملائكة (وَشُهُباً) [٨] أي (٣) وملئت كواكب محرقة ترمى بها.
(وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (٩))
(وَأَنَّا كُنَّا)(٤) من قبل بعث محمد عليهالسلام (نَقْعُدُ)(٥)(مِنْها) أي من السماء (مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ) أي للاستماع من الملائكة ما يقولون فيما بينهم من الوقائع والكوائن ، يعني كنا نجد فيها بعض المقاعد خالية من الحرس والشهب ، والآن ملئت المقاعد كلها (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ) منا (٦)(يَجِدْ لَهُ شِهاباً) أي نجما (رَصَداً) [٩] أي راصدا للرجم ، يعني أعد وأوقد ليرمي به المستمع.
(وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (١٠))
(وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ) بعدم (٧) استراق السمع (أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) [١٠] أي خيرا وصوابا فيؤمنوا ويهتدوا ، وهذا الكلام ذكر سبب سيرهم في البلاد حتى عثروا على النبي عليهالسلام واستمعوا قراءته يقولون لما حدث كثرة الرجم ومنع الاستراق ، قلنا ما هذا إلا لأمر أراده الله بأهل الأرض من خير أو شر ، رحمة أو عذاب.
(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (١١) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (١٢))
(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ) أي المسلمون (وَمِنَّا) قوم (دُونَ ذلِكَ) أي ليسوا مسلمين (كُنَّا طَرائِقَ) أي أصحاب مذاهب بحذف المضاف من (طَرائِقَ) أو من الضمير في (كُنَّا) كانت طرائقنا طرائق (قِدَداً) [١١] جمع قدة وهي
__________________
(١) لعل المصنف اختصره من الكشاف ، ٦ / ١٦٥.
(٢) نقله عن الكشاف ، ٦ / ١٦٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٤١١ ؛ والبغوي ، ٥ / ٤٦٢.
(٣) أي ، وي : ـ ح.
(٤) نقعد ، + ي.
(٥) نقعد ، ح و : ـ ي.
(٦) منا ، وي : هنا ، ح.
(٧) بعدم ، وي : بعد ، ح.