النزول ، لأن جبين النبي عليهالسلام كان يتفصد عرقا وقت النزول من هيبته ولا يستطيع أن يتحرك حتى يسري عنه ، وهو اعتراض لتأكيد قيام الليل الذي هو من التكاليف الصعبة بالقرآن ، فلابد من مجاهدة للنفس المائلة إلى النوم والراحة فيه لمن أحياه لوجه الله.
(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧))
(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) أي ساعة قيامه بعد النوم (هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) أي ثقلا على المصلي من ناشئة النهار ، أي من ساعته ، من نشأت للشيء ، أي قمت لأجله ، وقرئ «وطاء» بكسر الواو ومد الألف (١) ، أي أشد موافقة في الليل بين السمع والقلب على تفهم القرآن من الموافقة بينهما في النهار (وَأَقْوَمُ قِيلاً) [٦] أي أصوب قولا وأخلص له وأسمع لفراغ القلب وهدؤا للأصوات (٢) في الليل دون النهار (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) [٧] أي فراغا وتصرفا وافيا لقضاء حوائجه فيه ففرغ نفسك لصلوة الليل.
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨))
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) أي دم على توحيد الله وذكره أو صل لربك ليلا ونهارا (وَتَبَتَّلْ) أي انقطع (إِلَيْهِ) أي إلى ربك عما سواه (تَبْتِيلاً) [٨] أي تبتلا ، واختاره لرعاية الفواصل ، يعني أخلص إخلاصا في ذكرك وعبادتك.
(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (٩))
قوله (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) بالرفع مبتدأ ، خبره (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وبالجر (٣) بدل من «رَبِّكَ» (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) [٩] أي ناصرا وكفيلا بما وعد بالنصر على الكفار.
(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠))
(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) من التكذيب والأذى (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) [١٠] أي اعتزلهم اعتزالا حسنا لا جزع فيه ولا فحش ، قيل : نسخ هذا بآية السيف (٤).
(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١))
(وَذَرْنِي) أي دعني (وَالْمُكَذِّبِينَ) فأنا أكافيهم (٥) وهم رؤساء قريش ، يعني فوض أمورهم إلي ، قوله (أُولِي النَّعْمَةِ) بالفتح صفة (الْمُكَذِّبِينَ) ، أي ذوي الغنا والتنعم الذي هو سبب غفلتهم ، وقد جاء بالكسر بمعنى الإنعام وبالضم بمعنى المسرة (٦)(وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) [١١] أي إمهالا يسيرا فلم يمض على ذلك إلا زمان قليل حتى قتلوا ببدر.
(إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢))
(إِنَّ لَدَيْنا) أي عندنا (أَنْكالاً) أي قيودا ثقالا يضاد تنعمهم ، جمع نكل بكسر النون وهو القيد ، قيل : كلما ارتفعوا بها في جهنم بقوتهم استفلت الأنكال بهم لثقالتها وخفتهم إلى قعر جهنم (٧)(وَجَحِيماً) [١٢] أي عندنا نارا محرقة.
(وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (١٣))
(وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ) أي ذا شوك يستمسك في الحلق فلا يسوغ فيها ، وهو الضريع أو الغسلين (وَعَذاباً أَلِيماً) [١٣] سوى ذلك.
__________________
(١) «وطأ» : قرأ البصري والشامي بكسر الواو وفتح الطاء وألف بعدها ، والباقون بفتح الواو وإسكان الطاء. البدور الزاهرة ، ٣٣٠.
(٢) للأصوات ، و : لأصوات ، ح ي.
(٣) «رب» : خفض الباء الشامي وشعبة ويعقوب والأخوان وخلف ، ورفعها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٣٣٠.
(٤) أخذه عن الكشاف ، ٦ / ١٧٢ ؛ وانظر أيضا هبة الله ابن سلامة ، ٩٦ ؛ والبغوي ، ٥ / ٤٧٣ ؛ وابن الجوزي ، ٥٨.
(٥) أكافيهم ، وي : أكافيكم ، ح.
(٦) أخذ المؤلف هذه القراءة عن الكشاف ، ٦ / ١٧٣.
(٧) لعله اختصره من القرطبي ، ١٩ / ٤٦.