عطف على (ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) ، أي تقوم أقل من الثلثين وأقل من النصف وأقل من الثلث ، وهو الوجه الأول من التخيير ، قوله (وَطائِفَةٌ) عطف على ضمير الفاعل في (تَقُومُ) ، وجاز العطف للفصل ، أي تقوم أنت وتقوم طائفة (مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) أي من أصحابك (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) أي يحصيهما بساعاتهما يقينا ، يعني يضبط الساعات منهما ويميز المفروض منهما (١) للقيام من غير المفروض عليكم وأنتم لا تقدرون على التمييز بينهما (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) أي الليل بمعرفة الساعات وضبط الأوقات فتعرفوا المفروض عليكم منهما (٢) من غير المفروض يقينا إلا بقيام جميع الليل ، وذلك يشق عليكم (فَتابَ عَلَيْكُمْ) أي عاد بالتجاوز عنكم وترك ما فرض عليكم من قيام الليل (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ) في جوف الليل (مِنَ الْقُرْآنِ) من غير توقيت لصلوة ، فالمراد القراءة من القرآن لا غير ، قيل : من قرأ مائة آية منه ، وقيل : خمسين لم يحاجه القرآن (٣) أو المراد بالقراءة الصلوة ، لأنها بعض أركانها كما يعبر عنها بالقيام والركوع والسجود ، أي فصلوا ما تيسر عليكم من صلاة الليل ، وهذا ناسخ للأول ، ثم تسخا جميعا بالصلوات الخمس (٤) ، روي : أن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قاموا الليل كله حين علموا فرضية القيام من قوله (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) سنة حتى انتفخت أقدامهم فنزل ترخيصا لهم في ترك القيام المقدر «علم أن لن تحصوه» الآية (٥) ، قوله (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) إشارة إلى حكمة النسخ وهي تعذر القيام بأسباب ثلاثة ، و (إِنَّ) مخففة من الثقيلة ، والسين عوض من التخفيف واسمها ضمير الشأن ، أي علم الله أن الشأن سيكون منكم مرضى لا يقدرون على قيام الليل (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ) أي يسافرون (فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ) أي يطلبون (مِنْ فَضْلِ اللهِ) أي من رزقه بالتجارة وغيرها ، قال عليهالسلام : «أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا ، فباعه بسعر يومه كان عند الله من الشهداء» (٦)(وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) وفي الآية دليل على أن كسب الحلال بمنزلة الجهاد ، المعنى : أنكم تضعفون عن قيام الليل (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) أي من القرآن (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي الصلوات الخمس (وَآتُوا الزَّكاةَ) المفروضة (وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) أي تصدقوا من أموالكم سوى المفروض منها بنية خالصة ، قوله (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ) «ما» فيه شرطية ، أي ما تعملوا من عمل صالح مما يتعلق بالنفس والمال والجهاد والتصدق على المساكين بطيبة نفس (تَجِدُوهُ) أي ثوابه (عِنْدَ اللهِ) أي في الآخرة (هُوَ خَيْراً) هو فصل بين مفعول «تجدوا» الأول وبين المفعول الثاني ، أعني خيرا وإن لم يقع بين معرفتين ، لأن أفعل من أشبه المعرفة لامتناعه من التعريف كالمعرف باللام ، قوله (وَأَعْظَمَ أَجْراً) عطف على (خَيْراً) ، أي أكبر ثوابا من تجارتكم ومعاملتكم في الدنيا (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) لذنوبكم بالتوبة إليه تعالى (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لمن تاب (رَحِيمٌ) [٢٠] لمن أطاع ولم يعص بعد التوبة.
__________________
(١) منهما ، ح : منها ، وي.
(٢) منهما ، ح : منها ، وي.
(٣) أخذ المؤلف هذه الأقوال عن الكشاف ، ٦ / ١٧٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٤٧٥.
(٤) نقله المفسر عن الكشاف ، ٦ / ١٧٤ ؛ وانظر أيضا قتادة (كتاب الناسخ والمنسوخ) ، ٥٠ ؛ والبغوي ، ٥ / ٤٧٥.
(٥) عن الحسن ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٤١٨.
(٦) انظر البغوي ، ٥ / ٤٧٥ (عن ابن مسعود) ؛ والكشاف ، ٦ / ١٧٥ (عن ابن مسعود) ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٤١٩. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.