سورة المدثر
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢))
قوله (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) [١] أي المتلفف بالدثار وهو ثوب فوق الشعار ، والشعار ما يلي الجسد ، نزل حين قضى النبي عليهالسلام جواه بحراء ، بكسر الحاء ممدودا جبل بمكة ، ثم نزل في بطن الوادي فاستبطأ فيه ، قال صلىاللهعليهوسلم : «فنوديت فرفعت رأسي فاذا في الهواء جبرائيل عليهالسلام يقول : إنك نبي الله ، فرعبت منه فجئت إلى أهلي ـ يعني خديجة ـ فقلت : دثروني فدثروني بثوبي ، فسمعت يا أيها المدثر» (١) ، أي بثوبه على فراشه وهذا يدل على أنه أول ما نزل (٢) ، وقيل : هذا بعد فترة الوحي (٣) ، وقيل : سمع المكروه من قريش فاغتم فتلفف بثوبه مفكرا فأمر بأن لا يدفع إنذارهم لذلك بقوله (٤)(قُمْ) من مضجعك (فَأَنْذِرْ) [٢] أي خوف الكفار بالنار (٥) أن يؤمنوا بعد دعوتك إياهم إلى التوحيد وترك الشرك.
(وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥))
(وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) [٣] أي قم فكبر ربك ، يعني صفه بالكبرياء أو كبره (٦) للصلوة ، فالفاء في جواب الجزاء ، (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) [٤] أي قم فطهر نفسك من الذنب بالتوبة أو ثيابك من النجاسة لتصلي لربك لأن الصلوة لا تصح معها (وَالرُّجْزَ) بالضم والكسر (٧) العذاب (فَاهْجُرْ) [٥] أي اقطع واترك كل ما هو سبب للعذاب من الصنم وغيره.
(وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧))
(وَلا تَمْنُنْ) أي لا تعط (٨) شيئا قليلا (تَسْتَكْثِرُ) [٦] بالرفع نصب على الحال (٩) ، أي لا تعط مالك أحدا طالبا به أكثر منه ، قيل : هو محرم على النبي عليهالسلام تشريفا له (١٠) ، ويجوز لغيره لقوله عليهالسلام «المستغزر يثاب من هبته» (١١) ، والاستغزار أن يهب شيئا وهو يطمع أن يتعوض من الموهوب له أكثر من الموهوب ، وقيل : هو نهي تنزيه له ولأمته (١٢)(وَلِرَبِّكَ) أي لأجل أمره (فَاصْبِرْ) [٧] على الطاعة وكل شديدة ، وفيه تعزية له ليصبر على أذى المشركين.
__________________
(١) رواه البخاري ، تفسير القرآن (تفسير سورة المدثر) ، ٧٤ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٤٢٠ ؛ والواحدي ، ٣٦٢ ـ ٣٦٣ ؛ والبغوي ، ٥ / ٤٧٧ ؛ والكشاف ، ٦ / ١٧٥.
(٢) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ١٧٥.
(٣) ولم أعثر عليه في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٤) نقل المؤلف هذا القول عن الكشاف ، ٦ / ١٧٥.
(٥) بالنار ، ح : النار ، وي ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٤٢٠.
(٦) كبره ، وي : كبر ، ح.
(٧) «والرجز» : قرأ أبو جعفر ويعقوب وحفص بضم الراء ، وغيرهم بكسرها. البدور الزاهرة ، ٣٣١.
(٨) تطه ، وي : تطعه ، ح.
(٩) هذه القراءة مأخوذة عن الكشاف ، ٦ / ١٧٦.
(١٠) أخذ المفسر هذا الرأي عن الكشاف ، ٦ / ١٧٦.
(١١) انظر الكشاف ، ٦ / ١٧٦. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(١٢) هذا القول منقول عن الكشاف ، ٦ / ١٧٦.