(فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠))
(فَإِذا نُقِرَ) أي اصبر أنت على ذلك ، فاذا نفخ (فِي النَّاقُورِ) [٨] أي في الصور (فَذلِكَ) مبتدأ ، أي زمان النفخ فيه (يَوْمَئِذٍ) أي يوم ينقر في الناقور (يَوْمٌ عَسِيرٌ) [٩] أي شديد أمره (عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) [١٠] أي لا يرجى أن يرجع يسيرا كما يرجى تيسير العسير في الدنيا ف (يَوْمَئِذٍ) ظرف ل (يَوْمٌ عَسِيرٌ) ، قدم عليه و (يَوْمٌ عَسِيرٌ) خبر (فَذلِكَ) ، وقيل : عامل الظرف ما دل عليه الجزاء ، أي عسر الأمر على الكافرين (١) ، لأن الصفة لا تعمل فيما قبلها ، فالمعنى : إذا نقر في الناقور ، فزمان ذلك النقر يوم اشتد أمره وقت النقر ، واختلف في أن النقر فيه هو النفخة الأولى أم الثانية ، ولو قال قائل ما فائدة قوله (غَيْرُ يَسِيرٍ) و (عَسِيرٌ) قبله يغني عنه؟ أجيب بأنها إيذان على أنه يسير على المؤمن عسير على الكفار (٢).
(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١))
(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ) عطف على الياء المفعول ، أي اتركني واترك من خلقته (وَحِيداً) [١١] لم يشركني فيه غيري ، حال من التاء في (خَلَقْتُ) أو المعنى : ذرني وحدي معه ، فالواو بمعنى مع والمراد بيان الاقتدار على الانتقام منه فيكون حالا من الياء في (ذَرْنِي) ، يعني فوض أمره إلي فأنا أكفيك منه وهو الوليد بن المغيرة.
(وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤))
(وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) [١٢] أي مالا (٣) كثيرا متصلا لا ينقطع كالزروع والضروع والجارات ، قيل : «كان له أربعة آلاف» (٤) أو «تسعمائة ألف مثقال فضة» (٥)(وَبَنِينَ شُهُوداً) [١٣] أي وجعلته له بنين حضورا معه لا يغيبون عنه في التجارات والمحافل ، وكانوا عشرة يستأنس بهم ولا يحزن بفراقهم (وَمَهَّدْتُ) أي بسطت (لَهُ) في العمر والعيش والولد (تَمْهِيداً) [١٤] أي بسطا وافرا.
(ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧))
(ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ) [١٥] ذلك له (٦) ليفتخر به ويعصيني ، قوله (كَلَّا) ردع لما طمعه ، أي (٧) لا أزيد له ماله وعمره وولده ، قيل : هلك عامة ماله وولده بعد ذلك (٨)(إِنَّهُ) أي الوليد (كانَ لِآياتِنا) أي للقرآن (عَنِيداً) [١٦] أي معاندا مكذبا (سَأُرْهِقُهُ) سأكلفه في النار (صَعُوداً) [١٧] أي جبلا من نار يصعد عليه سبعين خريفا ، ثم ينحط منه إلى أسفله كذلك أبدا.
(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠))
(إِنَّهُ) أي الوليد (فَكَّرَ) في شأن محمد عليهالسلام لما سمع قراءته القرآن ، فقال لقومه : إنه ساحر يفرق بين المرء وزوجه وأقربائه (وَقَدَّرَ) [١٨] في نفسه ما يقوله وهيأه من الأوصاف الشنيعة طعنا في القرآن ، فقال هو سحر منقول عن السحرة فسمعه قومه فرضوا عنه فقال تعالى (فَقُتِلَ) أي لعن (كَيْفَ قَدَّرَ [١٩] ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) [٢٠] تعجيبا من تقديره وإصابته (٩) الغرض الذي كان ينتحيه قريش ، وذلك حين اجتمعوا في نواحي مكة في أيام الموسم فتدبروا في أمر محمد عليهالسلام فتكلم كل بما عنده من الوصف بالجنون والكهانة والشعر فرد ذلك كله ، ثم سألوا عنه ففكر زمانا ثم رجع إليهم فقال إني فكرت في أمر محمد عليهالسلام فاذا هو ساحر وما
__________________
(١) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٦ / ١٧٧.
(٢) على المؤمن عسير على الكافر ، وي : على المؤمنين علسير على الكافرين ، ح.
(٣) مالا ، ح : ـ وي.
(٤) عن قتادة ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٧٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٤٢١.
(٥) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٥ / ٥٧٩ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ١٧٧.
(٦) له ، وي : ـ ح.
(٧) أي ، ح و : أن ، ي.
(٨) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٤٢٢.
(٩) إصابته ، وي : إصابة ، ح.