حكاية قول المسؤلين عنهم على سبيل الاختصار (قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) [٤٣] أي المقرين بالصلوة (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) [٤٤] أي لا نؤدي الزكوة إلى المساكين لعدم إقرارنا بها (وَكُنَّا نَخُوضُ) في الباطل (مَعَ الْخائِضِينَ) [٤٥] المستهزئين بالحق (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) [٤٦] أي يوم البعث والحساب (حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) [٤٧] أي الموت والقيامة ، قيل : يحتمل أن يكون سبب السلوك فيها مجموع هذه الأربع وأن يكون البعض منها سببا للبعض منهم ، وإنما أخر التكذيب وهو أعظمها ، لأن في تأخيره تعظيما كما في قوله () [١] (٢) ، فقال تعالى إقناطا لهم عن الشفاعة المأمولة لهم (فَما تَنْفَعُهُمْ) يوم القيامة (شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [٤٨] من الملائكة والأنبياء والصالحين.
(فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١))
(فَما لَهُمْ) أي أي حال للمشركين (عَنِ التَّذْكِرَةِ) أي عن (٣) العظة بالقرآن (مُعْرِضِينَ) [٤٩] حال من الضمير في «لَهُمْ» (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) [٥٠] أي طالبة للنفرة لشدة خوفها (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) [٥١] أي من أسد ، شبههم بالحمر الوحشية المستنفرة من السبع في تنفرهم عن الإيمان وتكذيب القرآن لعدم عقلهم وقرئ بفتح الفاء (٤) ، أي استنفرها غيرها.
(بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢))
قوله (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) نزل حين قال الكفار لا نؤمن بك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤ ، وروي أنهم قالوا ليصبح عند رأس كل منا كتاب من الله إلى فلان بن فلان على التعيين حتى نؤمن بك يا محمد (٥) ، فقال تعالى :
هم لا يؤمنون بل يريد كل امرئ منهم (أَنْ يُؤْتى صُحُفاً) أي قراطيس (مُنَشَّرَةً) [٥٢] أي مكشوفة مكتوبة فيها جرمه وتوبته وأمنه من النار.
(كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤))
قوله (كَلَّا) ردع لقولهم ، أي لا يكون هذه الإرادة أبدا (بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) [٥٣] أي عذابها لعدم إيمانهم بها (كَلَّا) أي حقا (إِنَّهُ) أي القرآن (تَذْكِرَةٌ) [٥٤] أي عظة بليغة كافية للخلق.
(فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦))
(فَمَنْ شاءَ) أن يذكره (٦) ويتعظ به (ذَكَرَهُ) [٥٥] أي قرأه واتعظ به.
(وَما يَذْكُرُونَ) أي وما يتعظون (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) ذلك لهم بالقسر والإلجاء ، لأنه معلوم أنهم لا يؤمنون اختيارا (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى) أي الله تعالى أهل أن يتقى منه ويوحد بالدلائل ويطاع ولا يعصى (وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) [٥٦] أي وأهل أن يغفر لمن تاب عن الشرك واتقاه.
__________________
(١) البلد (٩٠) ، ١٧.
(٢) أخذه عن الكشاف ، ٦ / ١٨٢.
(٣) عن ، وي : ـ ح.
(٤) «مستنفرة» : فتح الفاء المدنيان والشامي ، وكسرها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٣٣١.
(٥) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٤٢٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٤٨٦ ؛ والكشاف ، ٦ / ١٨٣.
(٦) أن يذكره ، وي : أن يذكر ، ح.