وَأَسِيراً (٨))
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨))
(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) هذا بيان أعمال صالحة (١) لهم استحقوا بها ذلك الثواب ، أي يتمون نذورهم إذا نذروا في الطاعة دون المعصية (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ) أي عذابه (مُسْتَطِيراً) [٧] أي ظاهرا مستزادا ، من استطار الحرق إذا انتشر وهو يوم القيامة (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) أي على اشتهائه أو على حب الله (مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) [٨] أي الذي أسر من دار الشرك أو الذي حبس في السجن ، روي : أن الآية نزلت في شأن علي وفاطمة ، كانا صائمين صوم النذر فانهما نذرا أن يصوما ثلاثة أيام إن عوفي الحسن والحسين من مرضهما فعوفيا ولم يكن عندهما شيء فاستقرض علي رضي الله عنه ثلاثة أصوع شعير من يهودي ، فطحنا وخبزا فجاء سائل فأعطياه بعض الطعام ، ثم جاءهما يتيم فأعطياه من ذلك الطعام ، ثم جاءهما أسير فأعطياه الباقي (٢) فمدحهما الله تعالى بذلك.
(إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠))
قوله (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) على إرادة القول وهو بيان للفقراء إخلاصهم المنوي في الإطعام خوفا من الله بقولهم ما نطعمكم إلا لوجه الله (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً) أي مكافاة على ذلك في الدنيا (وَلا شُكُوراً) [٩] بأن تشكروا لنا على ذلك وتمدحونا ، ويجوز أن يكون قولهم لطفا وتنبيها على ما ينبغي أن يكون عليه من أخلص لله وأن يكون منعا عن المجازاة بمثله أو بالشكر ، لأن إحسانهم مفعول لوجه الله ، يدل عليه قولهم (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً) أي تعبس فيه الوجوه من شدته فالوصف فيه مجاز (قَمْطَرِيراً) [١٠] أي شديد العبوس ، روي : أن الكافر تعبس وجهه يومئذ حتى يسيل بين عينيه عرق مثل القطران (٣).
(فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢))
(فَوَقاهُمُ) أي دفع (اللهُ) عنهم (شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) أي عذابه (وَلَقَّاهُمْ) أي أعطاهم (نَضْرَةً) أي حسن الوجوه وبشاشتها (وَسُرُوراً) [١١] أي فرحا في قلوبهم في مقابلة العبوس في وجوه الكافرين والحزن في قلوبهم (٤)(وَجَزاهُمْ) أي أعطاهم الثواب (بِما صَبَرُوا) أي بسبب صبرهم على الفقر والمشقة في الدنيا (جَنَّةً) بالدخول فيها (وَحَرِيراً) [١٢] بالتزين بلبسه فيها ، وذكر الحرير مع الجنة يشير إلى إطباق الجزاء بالعمل ، لأن الله تعالى جزاهم بصبرهم على الإيثار وما يؤدي إليه من الجوع والعرى بستانا فيه مآكل هني وحريرا فيه ملبس بهي.
(مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣))
قوله (مُتَّكِئِينَ) حال من «هم» في (جَزاهُمْ) ، أي ناعمين (فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) أي في الجنة على السرر في الحجال ، قوله (لا يَرَوْنَ) حال من ضمير (مُتَّكِئِينَ) ، أي غير رائين (فِيها شَمْساً) أي شدة الحر (وَلا زَمْهَرِيراً) [١٣] أي شدة البرد ، قيل : إن الجنة مضيئة غنية عن شمس وقمر (٥).
(وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤))
قوله (وَدانِيَةً) مفرد ، عطف على جملة (لا يَرَوْنَ فِيها) ، لأنها حال مثلها لكونها في حكم المفرد ، ودخلت الواو بينهما للجمع ، أي وجزاهم جنة جامعين فيها بين العبد عن الحر والقر وبين دنو الظلال أو عطف على (جَنَّةً) ، أي وجزاهم جنة أخرى قريبة (عَلَيْهِمْ ظِلالُها) أي ظلال شجرها ، يعني لا يزول ولا يبعد الظلال عنهم كما يبعد في الدنيا بزوال الشمس أو قريب بعض الظلال بالبعض لالتقاء الأشجار وازدحام الأوراق (وَذُلِّلَتْ) نصب على الحال من (دانِيَةً) ب «قد» مقدرة ، أي تدنو ظلالها وقد سخرت وقربت (قُطُوفُها) أي
__________________
(١) أعمال صالحة ، وي : أعمالهم الصالحة ، ح.
(٢) عن مجاهد وابن عباس ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٩٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٤٣٠ ؛ والواحدي ، ٣٦٤ ـ ٣٦٥.
(٣) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٦ / ١٩١.
(٤) في مقابلة العبوس ... والحزن في قلوبهم ، وي : ـ ح.
(٥) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٦ / ١٩٢.