هذه البشارة إذا أرادوا أن يدخلوا الجنة (١).
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤))
ثم حثه على التبليغ بالتبشير والإنذار والصبر على أذى الأعداء بقوله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) [٢٣] أي إني مختص بتنزيل القرآن عليك تنزيلا منجما لحكمة داعية إليه ، يعني أنزله جبرائيل عليهالسلام عليك بالدفعات تثبيتا لفؤادك (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) الصادر عن الحكمة عليك بتبليغ الرسالة بالبشارة والإنذار وتحمل أذاهم وترك التضجر من تأخر الظفر عليهم (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ) أي من الكفار (آثِماً) أي راكبا لما هو إثم داعيا لك إليه وهو عتبة بن ربيعة ، وكان ركابا لأنواع الفسوق سوى الكفر (أَوْ كَفُوراً) [٢٤] أي فاعلا لما هو كفر داعيا إليه وهو الوليد بن المغيرة ، وكان شديد الشكيمة في كفره وعتوه ، وكان كل منهما يدعو النبي عليهالسلام إلى ما ارتكبه ببذل الأموال وتزويج أكرم البنات له ، ومعنى (أَوْ) هنا لأحد الأمرين ، أي لا تطع أحدهما وهو أنهى من قوله ولا تطعهما جميعا ، فلذلك لم يذكر الواو.
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (٢٦))
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) أي صل أو سبح (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [٢٥] أي دم على الصلوة المفروضة في هذين الوقتين ، يعني صلوة الفجر وصلوة الظهر مع العصر (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) أي بعض الليل صل لله صلوة المغرب والعشاء (وَسَبِّحْهُ) أي بعد المكتوبة صل متهجدا (لَيْلاً طَوِيلاً) [٢٦] ثلثيه أو نصفه أو ثلثه ، قيل : هذا للنبي عليهالسلام خاصة حتما ولأصحابه مستجابة (٢).
(إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧))
(إِنَّ هؤُلاءِ) أي كفار مكة (يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) أي يختارون الدنيا على الآخرة (وَيَذَرُونَ) أي يتركون (وَراءَهُمْ) أي خلفهم (يَوْماً ثَقِيلاً) [٢٧] أي شديدا لا يهتمون له وهو يوم القيامة ، إذ لا يؤمنون.
(نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (٢٨))
(نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا) أي قوينا (أَسْرَهُمْ) أي خلقهم أو أعضاءهم ومفاصلهم بالأعصاب ليطيعوني فلم يطيعوني (وَإِذا شِئْنا) إهلاكهم بالعذاب هنا (بَدَّلْنا) أي جعلنا (أَمْثالَهُمْ) في الخلقة (تَبْدِيلاً) [٢٨] أي بدلا منهم في الطاعة ، و (إِذا) ههنا وقعت مع (إِنْ) كقوله تعالى و (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ)(٣).
(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٢٩))
(إِنَّ هذِهِ) أي هذه السورة (تَذْكِرَةٌ) أي عظة (فَمَنْ شاءَ)(٤) أن يتعظ (٥)(اتَّخَذَ)(٦)(إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) [٢٩] بأن يتقرب إليه الطاعة لما بينا له طريق الهدي فيها.
(وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠))
(وَما تَشاؤُنَ) بالتاء والياء (٧) ، أي ما تشاءون الاتعاظ (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) نصب على الظرف ، أي وقت مشية الله بتوفيقهم (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بهم قبل خلقهم (حَكِيماً) [٣٠] يحكم بالهداية لأهلها.
(يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٣١))
(يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) أي في الإسلام أو في جنته وهم المؤمنون ، قوله (وَالظَّالِمِينَ) نصب بفعل يفسره ما بعده ، وهو (أَعَدَّ لَهُمْ) أي هيأ للعاصين في الآخرة (عَذاباً أَلِيماً) [٣١] أي وجيعا دائما.
__________________
(١) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٤٣٢.
(٢) هذا القول منقول عن السمرقندي ، ٣ / ٤٣٣.
(٣) النساء (٤) ، ١٣٣ ؛ الأنعام (٦) ، ١٣٣ ؛ إبراهيم (١٤) ، ١٩ ؛ فاطر (٣٥) ، ١٦.
(٤) اتخذ ، + ح.
(٥) أن يتخذ ، وي : أي يتخذ ، ح.
(٦) اتخذ ، وي : ـ ح.
(٧) «تشاءون» : قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بياء الغيبة ، وغيرهم بتاء الخطاب. البدور الزاهرة ، ٣٣٣.