للبهائم (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) [١٦] أي بساتين ملتفة الأشجار بعضها في بعض ، جمع لف بمعنى ملتف ، يعني خلق هذه الأشياء كلها من العدم لمنافعكم فهو قادر على أن يبعثكم بعد موتكم فلا وجه لإنكاره ، إذ هو اختراع كهذه الاختراعات.
(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢))
ثم بين البعث فقال (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) بين الخلائق (كانَ مِيقاتاً) [١٧] أي ميعادا للأولين والآخرين للثواب والعقاب ، قوله (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) بدل من (يَوْمَ الْفَصْلِ) ، أي يوم ينفخ إسرافيل في القرن (فَتَأْتُونَ) من قبوركم إلى المحشر (أَفْواجاً) [١٨] أي جماعات مختلفة (١) ، قيل : يبعث الناس بعضهم على صورة القمر ليلة البدر ، وبعضهم على صورة القرد ، وبعضهم على صورة الخنزير ، وهم المخلصون والنمامون وأكالون للسحت (٢)(وَفُتِحَتِ السَّماءُ) مخففا ومشددا (٣) ، أي شقت لنزول الملائكة (فَكانَتْ أَبْواباً) [١٩] أي ذات أبواب ، أي طرق لا يسدها شيء (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ) عن أماكنها (فَكانَتْ سَراباً) [٢٠] أي فصارت هباء يرى في الهواء كالسراب في الدنيا.
(إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) [٢١] أي طريقا يرصد فيه ، أي ترقب الملائكة منه الخلائق ليفصلوا بينهم أو ممرا يمر عليها المؤمن ليدخل الجنة والكافر ليدخل النار (لِلطَّاغِينَ مَآباً) [٢٢] أي كانت جهنم مرجعا للمتكبرين عن الإيمان.
(لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥) جَزاءً وِفاقاً (٢٦))
(لابِثِينَ) وقرئ «لبثين» (٤) ، أي ماكثين (فِيها أَحْقاباً) [٢٣] جمع حقب وهو ثمانون سنة ، كل يوم منها مقدار ألف سنة مما يعد أهل الدنيا ، والمراد منه التأبيد (لا يَذُوقُونَ فِيها) أي في جهنم (بَرْداً) ينفعهم من حرها أو نوما يستريحون به (وَلا شَراباً) [٢٤] يشربون تلذذا بل ما شاء الله من أنواع العذاب ، يعني لا راحة لهم فيها أبدا (إِلَّا حَمِيماً) أي ماء حارا قد انتهى حره (وَغَسَّاقاً) [٢٥] بالتشديد والتخفيف (٥) ، من غسق إذا سال ، يعني إلا ما يسيل من صديد أهل النار ، والاستثناء منقطع ، لأن حر النار ضد البرد ، أي لكنهم يذوقون فيها حميما وغساقا ، ثم أشار إلى السبب بقوله (جَزاءً وِفاقاً) [٢٦] أي يجزون جزاء موافقا لأعمالهم ، لأنه لا ذنب أعظم من الشرك ولا عذاب أعظم من النار فوافق الجزاء العمل.
(إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (٢٨))
قوله (إِنَّهُمْ كانُوا) تعليل لاستحقاقهم الجزاء الموافق ، أي لأنهم كانوا (لا يَرْجُونَ) أي لا يخافون (حِساباً) [٢٧] أي حساب البعث أو لا يأملون ثواب الحسنات ليؤمنوا (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) أي القرآن (كِذَّاباً) [٢٨] أي تكذيبا ، مصدر فعل مشددا وقد يجيء مخففا مصدر كذب.
(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً (٣٠))
(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ) أي بينا في اللوح المحفوظ بالكتابة كل عمل من معاصيهم نسوه ونحن لا ننساه ، قوله (كِتاباً) [٢٩] نصب على الحال من ضمير المفعول ، أي مكتوبا في اللوح ، وهذه الآية اعتراض.
ثم أشار إلى المسبب عن كفرهم بقوله (فَذُوقُوا) العذاب (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) [٣٠] فوق عذابكم.
__________________
(١) مختلفة ، ح و : مختلفات ، ي.
(٢) لعله اختصره من الكشاف ، ٦ / ٢٠٢.
(٣) «وفتحت» : خفف التاء الكوفيون ، وشددها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٣٣٥.
(٤) «لابثين» : قرأ حمزة وروح بغير ألف بعد اللام ، وغيرهما بالألف. البدور الزاهرة ، ٣٣٥.
(٥) «وغساقا» : شدد السين حفص والأخوان وخلف ، وخففها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٣٣٥.