(قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢))
(قالُوا) أي منكرو البعث استهزاء (تِلْكَ) أي رجعتنا هذه (إِذاً) أي إن صح أنا نبعث (كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) [١٢] أي رجعة ذات خسران لتكذيبنا بها والمراد أربابها.
(فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣))
قوله (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ) جواب لهم يتعلق بمحذوف ، أي لا تستصعبوها ، فانما هي ، أي الرادفة التي يعقبها البعث زجرة ، أي صيحة (واحِدَةٌ) [١٣] لا تكرر لشدتها ، يعني سهلة هينة في قدرته تعالى يريد النفخة الثانية.
(فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤))
(فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) [١٤] أي إذا نفخت تلك النفخة ، فاذا كل الخلائق على وجه الأرض أحياء بعد ما كانوا في بطنها أمواتا ، وسميت الأرض ب «الساهرة» لمنام الخلق وسهرهم عليها.
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠))
قوله (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) [١٥] عظة لهم بمصيبة فرعون بسبب إنكار البعث وتكذيب الرسل ، أي قد أتاك خبر موسى عليهالسلام (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) أي المطهر (طُوىً) [١٦] اسم الوادي ، فقال له (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) [١٧] أي علا وتكبر في كفره (فَقُلْ) له بالاستفهام الذي معناه العرض (هَلْ لَكَ) رغبة (إِلى أَنْ تَزَكَّى) [١٨] بتشديد الزاء وتخفيفها (١) ، أي تتطهر من الشرك بأن تشهد أن «لا إله إلا الله» ، (وَأَهْدِيَكَ) أي أرشدك (إِلى رَبِّكَ) أي إلى معرفته بالبراهين (فَتَخْشى) [١٩] أي تخاف الله وعذابه فتسلم ، قيل : من خشي الله أتى منه كل خير ، ومن أمن من الله اجترأ على كل شر (٢)(فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) [٢٠] أي قلب العصا حية أو العصا واليد ، وكانت هي الأصل والآية الأخرى كالتبع ، فلذا وحدت الآية.
(فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦))
(فَكَذَّبَ) فرعون موسى (وَعَصى) [٢١] الله تعالى (ثُمَّ أَدْبَرَ) عن الإيمان به (يَسْعى) [٢٢] في هلاك موسى (فَحَشَرَ) أي جمع السحرة وجنوده فأمر مناديا (فَنادى) [٢٣] أي قام بنفسه للنداء من مجلسه (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) [٢٤] لا رب فوقي (فَأَخَذَهُ اللهُ) أي عاقبه (نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) [٢٥] أي عقوبتهما ، يعني عذب هنا بالغرق ، وفي الآخرة بالحرق (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في هلاك فرعون وقومه (لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) [٢٦] أي لعظة لمن يخاف الله ويسلم.
(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩))
ثم خاطب أهل مكة بالموعظة فقال (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) وإنشاء بعد الموت (أَمِ السَّماءُ) أشد ، والحال أنه قد (بَناها) [٢٧] أي السماء (رَفَعَ سَمْكَها) أي سقفها بلا عمد (فَسَوَّاها) [٢٨] أي جعلها مستوية بلا عيب (وَأَغْطَشَ) أي أظلم (لَيْلَها وَأَخْرَجَ) أي أبرز (ضُحاها) [٢٩] أي نور شمسها ، وأضيف الليل والشمس إلى السماء لأن الليل ظلها والشمس سراجها.
__________________
(١) «تزكى» : قرأ المدنيان والمكي ويعقوب بتشديد الزاي ، وغيرهم بتخفيفها. البدور الزاهرة ، ٣٣٦.
(٢) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ٢٠٦.