سورة عبس
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢))
قوله (عَبَسَ) نزل في شأن عبد الله بن أم مكتوم وهو اسم أبيه حين أتى النبي عليهالسلام وهو يناجي جماعة من كفار قريش يرجو إسلامهم ، وكان عبد الله أعمى فسأله عن بعض ما ينتفع من علم الله تعالى ، فأعرض عنه كراهة أن يقطع كلامه معهم (١) ، فقال تعالى (عَبَسَ) ، أي قبض محمد وجهه (وَتَوَلَّى) [١] أي أعرض (أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) [٢] أي لأن جاءه ابن أم مكتوم.
(وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤))
(وَما يُدْرِيكَ) أي أي شيء يجعلك داريا بأنه لا ينتفع بعلمك (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) [٣] أي يتطهر من الذنوب بما يسمع منك (أَوْ يَذَّكَّرُ) أي يتعظ بالقرآن (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) [٤] بالرفع والنصب (٢) ، أي العظة.
(أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧))
(أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) [٥] بنفسه وماله ، أي تكبر عن الإسلام وعظتك (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) [٦] أي تتعرض وتقبل بوجهك ، يعني لا ينبغي أن يفعل مثلك للغني كذا روى : أنه صلىاللهعليهوسلم بعد نزول «عبس» ما عبس في وجه فقير ولا تصدى لغني (٣)(وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) [٧] أي ليس عليك بأس ومضرة في أن لا يسلم عتبة وأصحابه.
(وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠))
(وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) [٨] أي يسرع إلى سماع العلم والعمل به (وَهُوَ يَخْشى) [٩] أي يخاف الله (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) [١٠] أي تتغافل وتشتغل بغيره ، يعني مثلك لا ينبغي أن يتلهى للغقير لفقره ، وكان صلىاللهعليهوسلم يكرم ابن أم مكتوم بعد ذلك ويقول إذا رآه : «مرحبا بمن عاتبني ربي فيه ، هل لك من حاجة» (٤).
(كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ (١٦))
قوله (كَلَّا) ردع عن ارتكاب المعاتب عليه للنبي صلىاللهعليهوسلم ، أي لا تغفل عن الفقير ولا تقبل على المستغني عن الله (إِنَّها) أي آيات القرآن (تَذْكِرَةٌ) [١١] أي عظة (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) [١٢] بتذكير الضمير نظرا إلى المعنى ، أي اتعظ بالقرآن (فِي صُحُفٍ) أي هي في صحف أو حال من الضمير المفعول في «ذَكَرَهُ» (مُكَرَّمَةٍ) [١٣] أي مبجلة
__________________
(١) عن هشام بن عروة ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٤٤٦ ؛ والواحدي ، ٣٦٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٥٢١ ؛ والكشاف ، ٦ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩.
(٢) «فتنفعه» : قرأ عاصم بنصب العين ، وغيره برفعها. البدور الزاهرة ، ٣٣٧.
(٣) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٦ / ٢٠٩.
(٤) وهذا مأخوذ عن البغوي ، ٥ / ٥٢١ ؛ أو الكشاف ، ٦ / ٢٠٩.