وأعمال الكفرة والفسقة من الجن والإنس ، فيكون أعمال الفجار مثبتة فيه ، فالغرض من الكتاب المرقوم هو المكتوب فيه دون العمل ، وهو في سجين تحت الأرض السفلي وإنما سمي الكتاب المرقوم سجينا لأنه سبب الحبس أو لأنه مطروح في سجين ، وقيل : تقديره وما أدريك ما كتاب سجين (١) ، وقيل : تقديره إن كتاب الفجار كتاب مرقوم في سجين على التقديم والتأخير ، كذا قاله الواحدي في تفسيره (٢)(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [١٠] بالبعث.
(الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣))
ثم وصفهم للذم لا للبيان بقوله (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) [١١] أي بيوم الجزاء (وَما يُكَذِّبُ بِهِ) أي ما يجحد بيوم الدين (إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ) أي متجاوز الحد في الظلم (أَثِيمٍ) [١٢] أي عاص لربه وهو الوليد بن المغيرة وأصحابه (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا) أي القرآن (قالَ) هي (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [١٣] أي أحاديثهم الكاذبة.
(كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤))
قوله (كَلَّا) ردع له عن قوله «أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» (بَلْ رانَ) أي غلب وختم (عَلى قُلُوبِهِمْ) حتى اسودت وقست (ما كانُوا يَكْسِبُونَ) [١٤] من الأعمال الخبيثة فلا تقبل الخير ولا تميل إليه ، قيل : «الرين هو الصدأ يغشي على القلب كما يغشي الحديد» (٣) ، قيل : الرين زمام الغفلة فمن تيقظ وتذكر أمن الرين والقسوة ، ودواءه إدمان الصوم فإن لم يزل فليترك الإدام (٤).
(كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧))
(كَلَّا) أي حقا (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [١٥] أي لا يرونه يوم القيامة أو ممنوعون عن رحمته (ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ) [١٦] أي داخلوها (ثُمَّ يُقالُ) لهم ، أي يقول الخزنة (هذَا) العذاب (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) [١٧] في الدنيا وتقولون إنه غير كائن.
(كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١))
(كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ) أي ما كتب من أعمالهم (٥) الحسنة (لَفِي عِلِّيِّينَ) [١٨] وهو علم لديوان الخير الذي دون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الجن والإنس منقول من جمع علي وزنه فعيل من العلو وهو في السماء السابعة وأرواح المؤمنين الصالحين فيه (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) [١٩] أي ما كتاب عليين تعظيم له وتعجيب ، ثم فسره فقال (كِتابٌ مَرْقُومٌ) [٢٠] أي هو مكتوب في أشرف مكان (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) [٢١] أي يسكن فيه الكروبيون تكريما له وتعظيما.
(إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥))
(إِنَّ الْأَبْرارَ) أي الصالحين (لَفِي نَعِيمٍ) [٢٢] أي لفي تنعم في الجنة (عَلَى الْأَرائِكِ) أي على السرر في الحجال (يَنْظُرُونَ) [٢٣] إلى ما أعطوا من النعيم وإلى الكفار كيف يعذبون في النار (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) [٢٤] أي أثر الجنة وبهجتها (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ) أي من خمر خالصة لا غش فيها (مَخْتُومٍ) [٢٥] أي ختم على إنائها فلا يفك ختمه إلا الأبرار.
__________________
(١) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٢) انظر الوجيز للواحدي ، مكتبة سليمانية (قسم فاتح) ، الرقم ، ٤٨٨ ، ورقة ، ٢٥١ أ(١٥٢).
(٣) قال الزجاج نحوه ، انظر القرطبي ، ١٩ / ٢٦١ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٤٥٧.
(٤) ولم أجد له مرجعا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٥) أعمالهم ، وي : أعمال ، ح.