(إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥))
(إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) [١٤] أي لن يرجع إلى الآخرة تكذيبا بها (بَلى) ليرجع إلى الآخرة (إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) [١٥] أي عالما بأحواله وأعماله من يوم خلقه إلى يوم بعثه فيجازي عليها لا محالة.
(فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠))
(فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) [١٦] أي أقسم بالبياض بعد الحمرة وبسقوطه يدخل وقت العشاء في رواية عن (١) أبي حنيفة رحمهالله أو أقسم بالحمرة التي تبقي بعد غروب الشمس وبسقوطها (٢) يدخل وقت الشعاء عند عامة الفقهاء (٣)(وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) [١٧] أي جمع وضم في جوفه (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) [١٨] أي إذا استوى وتم نوره ، وذلك في الأيام البيض ، وجواب القسم (لَتَرْكَبُنَّ) بفتح الباء خطابا للإنسان وبضمها خطابا للجنس (٤) ، أي لتركبن أيها الناس (طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) [١٩] وهو ما طابق غيره بمعنى وافقه ، يعني لتحولن حالا بعد حال يوافق ما قبلها في الهول والشدة أو الخطاب للنبي عليهالسلام ، والمعنى حينئذ : لتصعدن بعد البعث سماء بعد سماء ، والجار والمجرور صفة ل (طَبَقاً) أو حال من ضمير (لَتَرْكَبُنَّ) ، أي مجاوزين لطبق أو مجاوزا له على حسب القراءة ، و (عَنْ) بمعنى بعد ، وقيل : الحال بعد الحال هو الموت في حال النطفة ثم الحيوة ثم الموت ثم الحيوة حتى تصير إلى الله تعالى وأمره (٥)(فَما لَهُمْ) أي أي حال لكفار مكة (لا يُؤْمِنُونَ) [٢٠] بالقرآن والبعث ومحله حال.
(وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١))
قوله (وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) [٢١] أي لا يصلون أو لا يخضعون لله تعالى ، نزل حين قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم «واسجد واقترب» (٦) ، فسجد هو ومن معه من المؤمنين وقريش تصفق فوق رؤوسهم وتصفر (٧).
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤))
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقرآن (يُكَذِّبُونَ) [٢٢] أي يجحدون به وبالبعث (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) [٢٣] أي يكتمون من الكفر والتكذيب في صدورهم وكانوا أربعة فأسلم اثنان منهم (فَبَشِّرْهُمْ) يا محمد (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [٢٤] أي وجيع دائم.
(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥))
ثم استثنى الذين آمنوا فقال (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالقرآن ، يجوز أن يكون الاستثناء متصلا من ضمير المفعول في «بشرهم» ، أي بشرهم بالعذاب إلا الذين آمنوا منهم ، ومنفصلا ، أي لكن الذين آمنوا بالله ورسوله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بأداء الفرائض والسنن (لَهُمْ أَجْرٌ) أي ثواب (غَيْرُ مَمْنُونٍ) [٢٥] أي غير مقطوع ، يعني ثوابهم دائم على طاعتهم وتبرهم على ابتلاء الله بالمرض والهرم وضعف نهوضهم في العبادة ، وقيل : لا يمن بالأجر في الجنة عليهم (٨) ، لأن المنة تكدر النعمة ، وفي الجنة لا كدورة.
__________________
(١) عن ، ح و : ـ ي.
(٢) وبسقوطها وي : وبسقوطه ، ح.
(٣) هذه الآراء مأخوذة عن الكشاف ، ٦ / ٢٢٠.
(٤) «لتركبن» : قرأ المكي والأخوان وخلف بفتح الباء الموحدة ، وغيرهم بضمها. البدور الزاهرة ، ٣٤٠.
(٥) لعل المصنف اختصره من السمرقندي ٣ / ٤٦١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٥٤٥.
(٦) العلق (٩٦) ، ١٩.
(٧) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٦ / ٢٢١.
(٨) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٤٦٢.