سورة البروج
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤))
(وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) [١] أي ذات النجوم كلها أو المراد الاثنا (١) عشر برجا التي هي عظام الكواكب أو التي هي منازل القمر ، وقيل : هي قصور السماء على أبوابها (٢) ، نزلت لتثبيت المسلمين وتصبيرهم على أذى كفار قريش وتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التكذيب على الإيمان (٣)(وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) [٢] أي يوم البعث (وَشاهِدٍ) أي وجبرائيل عليهالسلام (وَمَشْهُودٍ) [٣] أي ومحمد عليهالسلام ، وقيل : الشاهد يوم الجمعة ، لأنه يشهد على كل عامل بعمله والمشهود يوم عرفة (٤) ، لأن الناس يشهدونه مواسم الحج ويشهده الملائكة أو الشاهد والمشهود الأنبياء وأممهم (٥) أو الحفظة وبنو آدم (٦) أو الأيام والليالي وبنوا آدم (٧) ، وعن الحسن رضي الله عنه : «ما من يوم إلا وينادي أني يوم جديد وإني على ما يعمل في شهيد فاغتنمني فلو غابت شمسي لم تدركني إلى يوم القيامة» (٨) ، وجواب القسم محذوف ، أي لتبعثن أو قوله (قُتِلَ) أي لقد لعن (أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) [٤] من الخد وهو الشق في الأرض ، فكذلك لعن كفار مكة فهم أحقاء بأن يقال فيهم قتلت قريش كما قيل قتل أصحاب الأخدود ، وهم كانوا ثلاثة : أنطيانوس الرومي بالشام وبختنصر بفارس وبونواس اسمه يوسف بنجران ، كل واحد منهم شق شقا عظيما في الأرض (٩) ، قيل : طوله أربعون ذراعا وعرضه اثنا عشر ذراعا (١٠) وهو الأخدود وملؤوه نارا وقالوا : من يكفر بالله وإلا ألقي فيه فمن كفر ترك ومن أبى ألقي فيه ، القرآن نزل في الأخدود الذي بنجران وكان هناك قوم آمنوا بعيسى فحفر لهم ملكهم أخدودا وأوقد فيه نارا فحرقم فيها وحرق كتبهم (١١).
(النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧))
قوله (النَّارِ) بالجر بدل من (الْأُخْدُودِ) بدل اشتمال (ذاتِ الْوَقُودِ) [٥] أي ما يوقد فيها من الناس (إِذْ هُمْ) أي الملك وأصحابه (عَلَيْها) أي حولها على جانب الأخدود (قُعُودٌ) [٦] على الكراسي يعذبون الناس بها (وَهُمْ) أي أصحابها (عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ) من التعذيب (شُهُودٌ) [٧] أي حضور ، قيل : «أنجى الله من آمن قبل وقوعه في
__________________
(١) الاثنا ، وي : اثنا ، ح ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٢٢١.
(٢) هذا الرأي لعطية العوفي ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٤٦٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٢٢١.
(٣) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٦ / ٢٢١ ـ ٢٢٢.
(٤) هذا القول لابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٤٦٣ ؛ والبغوي ، ٥ / ٥٤٦.
(٥) وهذا الرأي مأخوذ عن البيضاوي ، ٢ / ٥٨٤.
(٦) نقله المصنف عن البغوي ، ٥ / ٥٤٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٢٢١.
(٧) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٦ / ٢٢١.
(٨) انظر الكشاف ، ٦ / ٢٢١.
(٩) عن مقاتل ، انظر البغوي ، ٥ / ٥٥١.
(١٠) هذا مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ٢٢٢.
(١١) اختصره المؤلف من البغوي ، ٥ / ٥٥٠ ـ ٥٥١ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٤٦٥. «وقال القفال : ذكروا في قصة أصحاب الأخدود روايات مخلفة وليس في شيء منها ما يصح إلا أنها متفقة في أنهم قوم من المؤمنين خالفوا قومهم أو ملكا كافرا كان حاكما عليهم فألقاهم في أخدود وحفر لهم». انظر مفاتيح الغيب لفخر الدين الرازي ، ٣١ / ١٠٨.