الأخدود ، وخرجت النار منه فأحرقت من حولها من الكفرة» (١) ، وروي : أنهم جاؤا بامرأة معها صبي لطرحها فيها فامتنعت أن تقع فيها فقال اللصبي يا أماه اصبري فانك على الحق فرمت نفسها فيها من غير رؤية (٢).
(وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩))
(وَما نَقَمُوا) أي ما أنكروا (مِنْهُمْ) أي من المؤمنين (إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا) أي إلا إيمانهم (بِاللهِ الْعَزِيزِ) في ملكه (الْحَمِيدِ) [٨] في فعله (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [٩] أي حاضر عالم بما فعلوا ، وهو يجازيهم عليه وهذا وعيد لهم.
(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١))
(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أي عذبوهم بالإحراق (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) بكفرهم (وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) [١٠] أي عذاب أشد من عذابهم الأول باحراق المؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ) أي هذا الثواب هو (الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) [١١] أي النجاة العظيمة.
(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦))
(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ) أي أخذه للعقوبة من كفر به (لَشَدِيدٌ [١٢] إِنَّهُ) أي الله (هُوَ يُبْدِئُ) الخلق بعد العدم (وَيُعِيدُ) [١٣] أي ثم يعيدهم أحياء بعد الموت فلا يعجزه ما يريد (وَهُوَ الْغَفُورُ) للمذنبين بعد التوبة (الْوَدُودُ) [١٤] أي المحب لأوليائه (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) [١٥] بالجر صفة (الْعَرْشِ) ، أي الشريف وبالرفع صفة ل (ذُو)(٣)(فَعَّالٌ) أي هو فعال (لِما يُرِيدُ) [١٦] من الإبداء والإعادة والإعزاز والإهانة لأنه لا يعجزه شيء.
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨))
(هَلْ أَتاكَ) أي قد أتاك (حَدِيثُ الْجُنُودِ) [١٧] أي قصتهم ، قوله (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) [١٨] بدل من (الْجُنُودِ) ، أي قوم فرعون وقوم ثمود كيف أهلكهم الله تعالى ، إذ لم يؤمنوا بموسى وصالح عليهماالسلام ، فهذا تنبيه لكفار مكة بما جرى لهم قبلهم ليؤمنوا بمحمد عليهالسلام.
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠))
فلما لم يؤمنوا أضرب عنهم بقوله (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد عليهالسلام (فِي تَكْذِيبٍ) [١٩] للقرآن (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) [٢٠] أي مشتمل عليهم قدرة وعلما لا عاصم لهم منه تعالى أينما كانوا.
(بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢))
ثم أضرب عن تكذيبهم بالقرآن فقال (بَلْ هُوَ) أي ما كذبوا به (قُرْآنٌ مَجِيدٌ) [٢١] أي عظيم القدر عند الله ، وقيل : شريف أشرف من كل كتاب سماوي ثابت (٤)(فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) [٢٢] من استراق الشياطين والتغيير ، روي : «أن الله جعل اللوح من درة بيضاء دفتاه من ياقوتة حمراء عن يمين العرش ينظر الله فيه كل يوم ثلثمائة وستين نظرة يحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد» (٥) ، وذلك ليعلم الخلق أن كل شيء عنده بمقدار ، روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنها قال : «إن بين يدي الله لوحا ، فيه مائة وخمس عشرة شريعة ، يقول الله فيه وعزتي لا يجيئني عبد مؤمن بواحدة منهن إلا دخلته جنتي» (٦).
__________________
(١) قال النحاس نحوه ، انظر القرطبي ، ١٩ / ٢٩٤.
(٢) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٤٦٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٥٤٩ ؛ والكشاف ، ٦ / ٢٢٢.
(٣) «المجيد» : قرأ الأخوان وخلف بخفض الدال ، والباقون برفعها. البدور الزاهرة ، ٣٤٠.
(٤) هذا الرأي مأخوذ عن السمرقندي ، ٣ / ٤٦٦.
(٥) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٤٦٦.
(٦) ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.