(وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠))
(وَنُيَسِّرُكَ) أي نهون عليك حفظ القرآن (لِلْيُسْرى) [٨] أي للعمل الحسن وتبليغ الرسالة ، روي : أن جبرائيل عليهالسلام في كل رمضان ويقرأ عليه القرآن كله ويبين له ما ينسخ منه (١).
قوله (فَذَكِّرْ) أي عظ بالقرآن (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) [٩] للناس وإن لم تنفع (٢) ، وهذا من قبيل الاكتفاء بالأول لدلالته عليه ، نزل حين كان النبي عليهالسلام يذكرهم وهم لا يزيدون إلا طغيانا فيتلظى حسرة فيزيد التذكير حرصا على إيمانهم فقال تعالى فذكر بالقرآن (٣)(سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) [١٠] أي سيتعظ بالقرآن من يخاف الله تعالى بمعرفة قلبه إياه ويؤمن.
(وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (١٣) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥))
(وَيَتَجَنَّبُهَا) أي بتباعد عن الذكرى ، وهي العظة بالقرآن الكافر (الْأَشْقَى) [١١] من كل عاص ، قيل : هو الوليد بن المغيرة وأتباعه (٤)(الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) [١٢] أي يدخلها وهي نار الآخرة ، إذ نار الدنيا هي النار الصغرى ، وقيل : الكبرى هي السفلي من أطباق جهنم (٥)(ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها) أي في النار حتى يستريح من عذابها (وَلا يَحْيى) [١٣] بحيوة تنفعه ، و (ثُمَّ) فيه يدل (٦) على أن التردد بين الحيوة والموت أفظع من الصلي في النار ومتراخ عنه في الشدة.
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) [١٤] أي قد (٧) فاز ونجا من عذاب النار من تطهر بالإيمان والتقوى أو بأداء (٨) الزكوة المفروضة عليه ونجا من خصومة الفقراء يوم القيامة (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ) أي كبر في طريق المصلى (فَصَلَّى) [١٥] صلوة العيد أو كبر تكبيرة الافتتاح بذكر ربه فصلى الصلوات (٩) المفروضة عليه في أوقاتها من غير غفلة عنه تعالى.
(بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧))
ثم ذم تارك ذكر ربه وطاعته لأجل اشتغال الدنيا بقوله (بَلْ تُؤْثِرُونَ) بالتاء والياء (١٠) ، أي لا تفعلون ما تفلحون به بل تختارون (الْحَياةَ الدُّنْيا) [١٦] وعملها على الآخرة وعملها (وَالْآخِرَةُ) أي والحال أن عملها (خَيْرٌ وَأَبْقى) [١٧] من عمل الدنيا وحيوتها ، لأنها في معرض الفناء والزوال.
(إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩))
(إِنَّ هذا) أي من قد أفلح إلى أبقى أو جميع ما في هذه السورة من المعاني (لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) [١٨] المنزلة قبل القرآن.
ثم بين الصحف بقوله (صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) [١٩] عليهماالسلام (١١) ، والصحيفة كل كتاب أنزل مكتوبا ، وكان صحف إبراهيم عشرا وصحف موسى هي الألواح المكتوبة فيها التورية ، قيل : في صحف إبراهيم عليهالسلام ينبغي للعاقل أن يكون حافظا للسانه عارفا بزمانه مقبلا على شأنه (١٢).
__________________
(١) قد أخذه عن السمرقندي ، ٣ / ٤٧٠.
(٢) وإن لم تنفع ، ، ي : وإن لم ينفع ، ح و.
(٣) نقله عن الكشاف ، ٦ / ٢٢٦.
(٤) أخذه عن السمرقندي ، ٣ / ٤٧١ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٢٢٧.
(٥) هذا المعنى مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ٢٢٧.
(٦) يدل ، ح و : تدل ، ي.
(٧) قد ، ح و : ـ ي.
(٨) بأداء ، ح و : أدى ، ي.
(٩) الصلوات ، وي : صلوات ، ح.
(١٠) «تؤثرون» : قرأ أبو عمرو بياء الغيب ، وغيره بتاء الخطاب. البدور الزاهرة ، ٣٤١.
(١١) عليهماالسلام ، وي : ـ ح.
(١٢) قد أخذه عن الكشاف ، ٦ / ٢٢٧.