(فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦))
(فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) [١٢] بالماء الكثير العذب الأبيض من اللبن والأحلى من العسل لمن له عين جارية بالبكاء من خشية الله في الدنيا (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) [١٣] أي مرتفعة قدرا وذاتا ومحلا (وَأَكْوابٌ) أي كيزان بلا عرى مدورة الرأس (مَوْضُوعَةٌ) [١٤] أي معدة عندهم للشرب (وَنَمارِقُ) أي وسائد (مَصْفُوفَةٌ) [١٥] ليجلس عليها وليسند إليها ، جمع نمرقة (وَزَرابِيُّ) جمع زربية ، أي بسط عراض فاخرة (مَبْثُوثَةٌ) [١٦] أي مبسوطة كثيرة ، ويجلس المؤمنون عليها والغلمان والحور حولهم كأنهن الياقوت والمرجان.
(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠))
قيل : لما وصف ارتفاع سرر الجنة للكفار قالوا كيف يصعد عليها؟ فشكوا وتعجبوا في ذلك فقال تعالى (١)(أَفَلا يَنْظُرُونَ) نظر اعتبار (إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) [١٧] منقادة لهم مع عظم خلقها في الركوب والحمل عليها لئلا ينكروا اقتداره على البعث والثواب والعقاب كما يشاء ، وخص ذكر (الْإِبِلِ) لأنها كانت أقرب الأشياء إلى العرب ، ولم يكن في أرضهم الفيل ليذكره لهم (وَإِلَى السَّماءِ) أي أفلا ينظرون إليها (كَيْفَ رُفِعَتْ) [١٨] بلا عمد تحتها (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) [١٩] على ظهر الأرض أوتادا لها (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [٢٠] أي بسطت للسير فيها والاستقرار عليها ، وقرنت الإبل مع السماء والجبال والأرض لأن العرب كانت أشد ملابسة لهذه الأشياء من غيرها ، فذكرها أنسب للاستدلال (٢) على مخلوقات الله تعالى.
(فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤))
(فَذَكِّرْ) أي فعظ يا محمد وخوف كفار مكة بالعذاب في الآخرة ، ولا تلح عليهم ولا يهمك أنهم لا ينظرون ولا يتذكرون (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) [٢١] أي مخوف بالقرآن (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) [٢٢] أي بمسلط فتكرههم على الإيمان (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ)(٣)(إِلَّا مَنْ تَوَلَّى) أي فذكر إلا من أعرض عن الإيمان (وَكَفَرَ) [٢٣] بالقرآن ، استثناء متصل من (فَذَكِّرْ) أو منقطع ، أي لكن من تولى منهم فلله الولاية (فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) [٢٤] الذي هو عذاب النار الدائم والأصغر ما عذبوا به هنا من الجوع والقتل والأسر.
(إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (٢٦))
(إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) [٢٥] أي رجوعهم بعد الموت إلينا لا إلى غيرنا (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) [٢٦] أي جزاء حسابهم في أعمالهم الخبيثة من صغيرة وكبيرة علينا كما يقتضيه الحكمة لا على غيرنا ، وفي تقديم الظرفين تشديد في الوعيد لهم.
__________________
(١) قاله أهل التفسير ، انظر البغوي ، ٥ / ٥٦٣.
(٢) أنسب للاستدلال ، ح ي : أنسب هذا الاستدلال ، و.
(٣) الشورى (٤٢) ، ٤٨.