سورة الفجر
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥))
قوله (وَالْفَجْرِ) [١] قسم بخروج الصبح أو بضوءه ، وجوابه (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) ، أي بحق الصبح ، وسمي ب (الْفَجْرِ) لفجره الظلام وهو شقه ، وقيل : بصلاة الصبح (١)(وَلَيالٍ عَشْرٍ) [٢] أي وبحق عشر ذي الحجة ، تنكيرها لبيان فضيلة ليست لغيرها فلو عرفت لفاتت تلك (وَالشَّفْعِ) أي والزوج (وَالْوَتْرِ) [٣] أي الفرد بفتح الواو وكسرها (٢) ، فالشفع الخلق لقوله تعالى (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ)(٣) ، والوتر هو الله ، لأنه واحد لا زوج له ، المعنى : أقسم بكل شيء لأنه إما شفع أو وتر (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) [٤] أي يمضي ويجيء بأمره تعالى ، أصله يسري (٤) حذفت الياء عنه اكتفاء بالكسرة أو بحق الليل إذا يسري فيه ، نسب الفعل إلى الليل مجازا (هَلْ فِي ذلِكَ) أي في الذي أقسمت به مما ذكر (قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) [٥] أي لصاحب عقل ورشد لتعظيمه ، المعنى : هل في قسمي بهذه الأشياء اقسام لذي عقل لتأكيد المقسم عليه وهو البعث أو العذاب ، والاستفهام هنا لتحقيق اقسام ذي عقل وتعظيم محل القسم ، ف (هَلْ) بمعنى «ان» كما فسره أبو الليث رحمهالله. (٥)
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨))
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) اعتراض بين القسم وجوابه لتهديد منكري البعث ، أي ألم تخبر يا محمد كيف عاقب ربك (بِعادٍ) [٦] أي بقوم عاد وهو عاد بن عوص ، قوله (إِرَمَ) عطف بيان ل «عاد» أو بدل منه ، ولم ينصرف للتعريف والعجمة أو (إِرَمَ) اسم مدينتهم ففيه العلمية والتأنيث ، قيل : هي دمشق (٦) أو الإسكندرية (٧) أو مدينة بناها عاد ، فتقديره : صاحب إرم بحذف المضاف (ذاتِ الْعِمادِ) [٧] أي الأعمدة صفة القبيلة ، لأنهم كانوا بدويين أهل عمد أو طوال (٨) الأجسام أو لأن مدينتهم كانت ذات أساطين عظام (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها) أي مثل مدينتهم (فِي الْبِلادِ) [٨] روي : أنه كان لعاد ابنان شداد وشديد فملكا وقهرا ، ثم مات شديد وبقي الأمر لشداد فملك الدنيا كلها وكان عمره تسعمائة سنة ، فسمع يوما ذكر الجنة فقال أبني مثلها فبني إرم في ثلثمائة سنة ، قصورها من ذهب وفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت ، وفيها أصناف الأشجار والأنهار الجارية ، فلما تم بناؤها قصدها ليدخلها هو وأصحابه ، فلما قربوا صيح بهم صيحة فهلكوا جميعا (٩).
__________________
(١) أخذ المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ٦ / ٢٣٠.
(٢) «الوتر» : كسر الواو الأخوان وخلف ، وفتحها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٣٤٢.
(٣) الذاريات (٥١) ، ٤٩.
(٤) أصله يسري ، ح و : ـ ي.
(٥) انظر السمرقندي ، ٣ / ٤٧٦.
(٦) عن سعيد بن المسيب وعكرمة ، انظر البغوي ، ٥ / ٥٦٧.
(٧) عن القرظي ، انظر البغوي ، ٥ / ٥٦٧.
(٨) طوال ، ح و : طول ، ي.
(٩) أخذه المفسر عن الكشاف باختصار ، ٦ / ٢٣١. «وخبر شداد المذكور أخوه في الضعف بل لم تصح روايته كما ذكره الحافظ ابن حجر فهو موضوع». انظر روح المعاني للآلوسي ، ٣٠ / ١٢٣.