(وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠))
قوله (وَثَمُودَ) عطف على «عاد» ، أي كيف فعل ربك بثمود (الَّذِينَ جابُوا) أي قطعوا (الصَّخْرَ) واتخذوها بيوتا (بِالْوادِ) [٩] أي بوادي (١) القرى وهم قوم صالح نقبوا الجبل بالواد (٢) ، قيل : أول من نحت الجبال والرخام ثمود وبنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة (٣) ، قوله (وَفِرْعَوْنَ) عطف على «عاد» أيضا ، أي وكيف فعل ربك بفرعون (ذِي الْأَوْتادِ) [١٠] التي يعذب بها الناس ، لأنه كان يتد أربعة أوتاد يشد بها من يعذبه بأنواع العذاب أو قيل له ذو الأوتاد : لكثرة جنوده ومضارب خيامه إذا نزل في مكان (٤).
(الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤))
قوله (الَّذِينَ طَغَوْا) صفة للمذكورين من عاد وثمود وفرعون ، أي الذين تجبروا (فِي الْبِلادِ [١١] فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) [١٢] كالقتل وعبادة الأوثان (فَصَبَّ) أي فأرسل (عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ) أي نوع (عَذابٍ) [١٣] شديد لا يوصف (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) [١٤] أي أقسم بالأشياء المذكورة إن ربك في ممر الخلق يترصد ، أي يترقب فيه العصاة بالعقاب ، وهذا مثل في أنهم لا يفوتونه وأنه عالم بما يصدر منهم فيجازيهم عليه ، وقيل : «إن ملائكة ربك على الصراط يرصدون العباد ليحاسبهم بايمانهم وصلوتهم وزكوتهم وصومهم وحجتهم ووضوئهم وغسلهم من الجنابة وبر الوالدين وصلة الرحم» (٥).
(فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥))
(فَأَمَّا الْإِنْسانُ) هذا ذكر كل كافر من الغني والفقير مع أحوالهم واستحقاقهم العذاب بها بعد قوله (إِنَّ رَبَّكَ) لمرصادكأنه قيل إن الله لا يريد من الإنسان إلا الطاعة والسعي للعاقبة باختياره وهو مرصد بالعقوبة للعاصي ، فأما الإنسان وهو أبي بن خلف أو أمية بن خلف فلا يريد الطاعة للآخرة ولا يهمه إلا العاجلة وما يلذه وينعمه فيها ، لأنه (إِذا مَا ابْتَلاهُ) أي اختبره (رَبُّهُ) أيشكر أم يكفر (فَأَكْرَمَهُ) أي رزقه (وَنَعَّمَهُ) أي أكثر نعمته (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) [١٥] أي أحبني وعظمني بما أعطاني.
(وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦))
(وَأَمَّا) هو (إِذا مَا ابْتَلاهُ) بالفقر أيصبر أم يجزع (فَقَدَرَ) بالتشديد والتخفيف (٦) ، أي ضيق (عَلَيْهِ رِزْقَهُ) وأصابه الجوع (فَيَقُولُ) الجملة خبر المبتدأ المحذوف بعد (أَمَّا) وهو هو ، والفاء فيها لما في (أَمَّا) من معنى الشرط والظرف بعد (أَمَّا) في تقدير التأخير ، أي يقول الإنسان (رَبِّي أَهانَنِ) [١٦] أي أذلني وعاقبني بالفقر وقت الابتلاء شكاية عن ربه.
(كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧))
قوله (كَلَّا) ردع للإنسان عن قوله إن الغنا له إكرام والفقر إهانة ، أي ليس إكرامي للإنسان بالمال والولد والصحة وإهانتي له بنزع ذلك عنه ، بل إكرامي بتوفيق المعرفة والطاعة وإهانتي لنزع المعرفة عنه والإضلال عن طريق الهداية (بَلْ لا تُكْرِمُونَ) أي ليس القول كما يقولون بل لهم عمل شر من هذا القول وهو أن الله أكرمهم بكثرة المال وسعة الرزق فلا يؤدون ما يلزمهم فيه من الخيرات لأنهم لا يكرمون (الْيَتِيمَ) [١٧] أي لا يحسنون إليه بالنفقة مع غناهم.
__________________
(١) بوادي ، وي : بواد ، ح.
(٢) بالواد ، ح ي : بالوادي ، و.
(٣) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٦ / ٢٣١.
(٤) هذا الرأي منقول عن الكشاف ، ٧ / ٢٣١.
(٥) هذا مأخوذ مختصرا من قول ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٤٧٦.
(٦) «فقدر» : شدد الدال الشامي وأبو جعفر ، وخففها غيرهما. البدور الزاهرة ، ٣٤٢.