(وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠))
(وَلا تَحَاضُّونَ) بالألف والتاء للخطاب وبغير الألف ، وقرئ بالياء على الغيبة بغير الألف (١) ، أي ولا تحثون أنفسهم ولا غيرهم (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ [١٨] وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) أي مال الميراث (أَكْلاً لَمًّا) [١٩] أي شديدا ، واللم الشدة بأن جمعوا نصيب النساء والصبيان من الميراث مع أموالهم فيأكلونها جميعا (وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) [٢٠] أي كثيرا فلا تنفقونه في سبيل الله بل تبخلون به ، قرئ «يحبون» و «يأكلون» و «يكرمون» بالياء التاء (٢).
(كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢))
(كَلَّا) أي حقا (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ) أي زلزلت (دَكًّا دَكًّا) [٢١] أي زلزلة شديدة حتى ينهدم كل بناء عليها (وَجاءَ رَبُّكَ) أي أمره بالحساب ، وإنما أسند المجيء إلى الله تعالى إظهارا لآثار هيبته بحضور نفسه لا بحضور ملائكته (وَالْمَلَكُ) ينزلون من السماء حول الأرض (صَفًّا صَفًّا) [٢٢] وهم سبعة صفوف يومئذ.
(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣))
(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) مزمومة بسبعين ألف زمام ، كل زمام بيد سبعين ألف ملك لها زفير وتغيظ ، قوله (يَوْمَئِذٍ)(٣) بدل من الأول وهما بدلان من (إِذا دُكَّتِ) ، قوله (يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) عامل في (إِذا) قبله ، أي يتعظ الكافر ثمه (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) [٢٣] هو استبعاد منه يومئذ ، أي من أين له يوم القيامة العظة والتوبة.
(يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦))
(يَقُولُ) ثمه (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ) الخير والإيمان (لِحَياتِي) [٢٤] أي وقت حياتي في الدنيا أو لحيوتي (٤) الطيبة في الآخرة (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ) أي مثل تعذيب الله بالنار (أَحَدٌ) [٢٥] كذلك (وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ) بالسلاسل والأغلال مثل إيثاقه (أَحَدٌ) [٢٦] يعني لا يتولى أمر العذاب غيره تعالى.
(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠))
قوله (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) [٢٧] ترغيب في الإيمان للكافرين على إرادة القول ، أي يقال للمؤمن الصالح العمل عند الموت أو البعث إكراما له يا أيتها النفس الآمنة التي لم يخالطها شك في الإيمان أو التي اطمأنت بلقاء الله تعالى (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) أي إلى ثوابه المعد لك في الجنة أو خطاب للروح ، أي ارجعي إلى جسدك ، وقيل : نزلت في حمزة بن عبد المطلب (٥) ، وقيل : في حبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكة وجعلوا وجهه إلى المدينة ، فقال اللهم إن كان لي عندك خير فحول وجهي نحو قبلتك ، فحول الله وجهه نحوها فلم يستطع أحد أن يحوله عنها (٦)(راضِيَةً) بالثواب (مَرْضِيَّةً) [٢٨] عند الله ، كلامهما حالان ثانيهما متداخلة (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) [٢٩] أي في سلك عبادي الصالحين (وَادْخُلِي) معهم (جَنَّتِي) [٣٠].
__________________
(١) «ولا تحاضون» : قرأ نافع وابن كثير وابن عامر بتاء الخطاب مع ضم الحاء في «تحضون» ، وأبو عمرو ويعقوب بياء الغيبة مع الحاء كذلك في «تحضون» ، والكوفيون وأبو جعفر بتاء الخطاب مع فتح الحاء وألف بعدها مع المد المشبع في «تحضون». البدور الزاهرة ، ٣٤٢.
(٢) «يحبون» ، «يأكلون» ، «يكرمون» : قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو جعفر والكوفيون بتاء الخطاب في الأفعال الثلاثة ، وأبو عمرو ويعقوب بياء الغيبة. البدور الزاهرة ، ٣٤٢.
(٣) أي ، + ح.
(٤) لحيوتي ، وي : لحيوة ، ح.
(٥) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٦ / ٢٣٣.
(٦) نقله عن الكشاف ، ٦ / ٢٣٣.