وهي الصراط الممدود على جهنم كحد السيف لا ينجو منها إلا كل مؤمن مخف ، ف «لا» بمعنى ما للنفي وأكثر استعمالها أن يكرر لفظا وقد يتكرر معنى كما في هذه الآية ، لأن معنى (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) فلا فك رقبة ولا أطعم مسكينا ، ولذا فسره بذلك بعد (١).
(وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣))
ثم فخم شأنها بقوله (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) [١٢] أي ما أعلمك أي شيء هي وبما يمكن مجاوزتها (فَكُّ رَقَبَةٍ) [١٣] أي سبب اقتحام العقبة إعتاق النسمة وتخليصها من رق وغيره أو فك رقبته (٢) من الذنوب بالتوبة ، قرئ برفع (فَكُّ) مع الإضافة تفسير لاقتحام العقبة ، وبفتح الكاف ونصب (رَقَبَةٍ)(٣) فعل ومفعول تفسير ل (اقْتَحَمَ).
(أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦))
(أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) [١٤] أي مجاعة ، من سغب فلان إذا جاع ، قرئ برفع (إِطْعامٌ) عطف على (فَكُّ) مصدرا و «أطعم» فعل عطف على (فَكُّ) ماضيا ، قوله (يَتِيماً) بيان لمن يطعمه الطعام وهو مفعول المصدر أو الفعل ، أي أطعم الإنسان يتيما (ذا مَقْرَبَةٍ) [١٥] أي صاحب قرابة (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) [١٦] أي صاحب لصوق بالتراب ، يعني لا شيء له ولفقره لصق بالتراب ، فبهذا (٤) الخير يجاوز العقبة ، في الحديث أن رجلان قال : «يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ، فقال : تعتق النسمة وتفك الرقبة ، فقال : أو ليسا سواء ، قال : إعتاقها أن تتفرد بعتقها وفكها أن تعين في تخليصها من قود أو غرم» (٥).
(ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨))
(ثُمَّ كانَ) أي مع هذا الخير والإحسان يكون المحسن بالعتق والصدقة (مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد والقرآن ، وجيء ب (ثُمَّ) المفيدة للتراخي في الوقت ، والمراد منه هنا بيان تباعد ما بين الإيمان والإحسان بذلك في الرتبة والفضيلة ، لأنه لا ينفع ولا يقبل عمل صالح إلا بالإيمان ، وقيل : معناه ثم ثبت ودام على إيمانه بعد الإحسان (٦)(وَتَواصَوْا) أي وكان من الذين وصى بعضهم بعضا (بِالصَّبْرِ) على الإيمان والطاعة والمصيبة وترك المعصية (وَتَواصَوْا) أي وصى بعضهم بعضا (بِالْمَرْحَمَةِ) [١٧] أي بالترحم ، يعني يتعاطف بعضهم على بعض ، روي عن النبي عليهالسلام : «من لا يرحم الناس لا يرحمهالله» (٧) أو بما يؤدي إلى رحمة الله تعالى (أُولئِكَ) أي الموصوفون بالصفات المذكورة (أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) [١٨] أي الذين يعطون كتابهم بايمانهم أو أصحاب اليمين.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠))
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا) أي بالقرآن (هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ) [١٩] أي الذين يعطون كتابهم بشمائلهم أو أصحاب الشمال (عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ) [٢٠] أي مطبقة ، من أأصدت الباب ، أي أطبقته وقد يبدل من الهمزة وأو لضمة ما قبلها ، قيل (٨) : الكفار إذا أدخلوا النار وأطبقت عليهم لا يخرج منها غم ولا يدخل فيها روح الأبد الأبد (٩).
__________________
(١) بعد ، وي : ـ ح.
(٢) رقبته ، ح و : رقبه ، ي.
(٣) «فك رقبة أو إطعام» : قرأ المكي والبصري والكسائي بفتح الكاف من فك ونصب التاء المثناة الفوقية من «رقبة» ، وفتح الهمزة والميم من غير تنوين وحذف الألف بعد العين من «إطعام» ، والباقون برفع الكاف من «فك» وجر التاء من «رقبة» وكسر الهمزة وإثبات الألف بعد العين ورفع الميم وتنوينها من «إطعام». البدور الزاهرة ، ٣٤٣.
(٤) فبهذا ، ح و : فهذا ، ي.
(٥) انظر الكشاف ، ٦ / ٢٣٥. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٦) ولم أجد لهذا المعنى أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٧) رواه أحمد بن حنبل ، ٤ / ٣٦١ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٤٨١.
(٨) من ، + ي.
(٩) قد أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ٣ / ٤٨١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٥٧٨.