(إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦))
(إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) [١٢] أي علينا بيان طريق الهدى والضلالة من قبيل الاكتفاء (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) [١٣] نعطي منهما ، أي من ثوابهما من نشاء لا حكم لغيرنا فيهما (فَأَنْذَرْتُكُمْ) أي خوفتكم يا أهل مكة بالقرآن (ناراً تَلَظَّى) [١٤] أي تتلهب وتشتعل على أهلها ولم يبق لكم عذر ولا حجة (لا يَصْلاها) أي لا يدخلها (إِلَّا الْأَشْقَى [١٥] الَّذِي كَذَّبَ) محمدا والقرآن (وَتَوَلَّى) [١٦] أي أعرض عن الإيمان.
(وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨))
(وَسَيُجَنَّبُهَا) أي يتباعد (١) عن عذابها (الْأَتْقَى [١٧] الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ) في سبيل الله تعالى (يَتَزَكَّى) [١٨] حال من ضمير (يُؤْتِي) ، أي يتطهر من الذنوب ويريد به وجه الله تعالى ، قيل : (الْأَشْقَى) و (الْأَتْقَى) بمعنى الشقي والتقي فلا يرد إشكال بأن كل شقي يصلاها وكل تقي يتجنبها (٢) ، وقيل : المراد ب (الْأَشْقَى) أمية بن خلف ، ال «أتقى» أبو بكر رضي الله عنه وهما عظيمان من الفريقين فأريد أن يبالغ في وصفيهما المتناقضين (٣) ، فقيل : (الْأَشْقَى) وجعل مختصا بدخول النار كأنها لم تخلق إلا له ، وقيل : (الْأَتْقَى) وجعل مختصا بالتجنب عن النار كأن الجنة لم تخلق إلا له ، فوردت الآية في الموازنة بين حالتيهما (٤) ، لأن أمية (٥) كان يطرح بلالا على ظهره ببطحاء مكة وقت الظهيرة ويضع على صدره صخرة عظيمة بسبب إيمانه بمحمد عليهالسلام ، ويقول : لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد ، وهو يقول أحد أحد ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : اتق الله فيه ، فقال : أنت أفسدته فأنقذه فاشتراه وأعتقه.
(وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١))
قوله (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) [١٩] نزل حين قالوا إنما فعل ذلك الإعتاق ليد كانت له (٦) ، أي لنعمة سابقة لبلال عند أبي بكر فقال الله تعالى إنه لم يفعل ذلك مجازاة لأحد (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) [٢٠] نصب مفعول له ، أي لطلب رضاه ولقائه ، ومعنى (الْأَعْلى) هو الأرفع فوق خلقه بالقهر والغلبة (وَلَسَوْفَ يَرْضى) [٢١] اللام فيه للتوكيد ، أي لهو يرضى أبو بكر بثواب الله تعالى يوم القيامة.
__________________
(١) يتباعد ، ي : ستباعد ، ح و.
(٢) أخذ المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ٦ / ٢٣٨.
(٣) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ٢٣٨.
(٤) هذه الآراء منقولة عن الكشاف ، ٦ / ٢٣٨.
(٥) إذا حميت الظهيرة ، + ح.
(٦) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ٣٧٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٥٨٦.