سورة الانشراح (ألم نشرح)
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣))
(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ) أبهم المشروح ، ثم أوضح بما بعده من المفعول وهو طريقة الإبهام والإيضاح ، كأنه قيل : ألم نشرح لك بزيادة (لَكَ) ففهم أن فيه مشروحا ثم أوضح ما كان مبهما بقوله (صَدْرَكَ) [١] أي ألم نوسع قلبك بالإيمان ونزول الوحي والحكمة فيه ، والاستفهام فيه للتقرير ، يعني شرحنا صدرك وفسحناه بما أودعناه من العلوم والحكم (١) بسبب النبوة ونزول القرآن لدعوة الجن والإنس واحتمال المكاره منهما ، ولذلك عطف عليه (وَوَضَعْنا) اعتبارا للمعنى ، أي وحططنا (عَنْكَ وِزْرَكَ) [٢] أي إثمك في الجاهلية أو إثم أمتك (الَّذِي أَنْقَضَ) أي أثقل (ظَهْرَكَ) [٣] حتى سمع منه صوت الانفصال ، هو مثل لما كان يثقل عليه عليهالسلام ويغمه من فرطاته قبل النبوة ، وقيل : المراد منه أخلاق السوء التي في طبيعة الإنسان ، إذ لو لم ينزعها عن قلبه لثقل عليه حمل النبوة (٢).
(وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤))
(وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) [٤] بأنه إذا ذكر الله ذكرت معه ، قيل : «في الأذان والإقامة والتشهد والخطبة» (٣) ، وقدم (لَكَ) في هذه المواضع على المفعول ليؤذن أنه صلىاللهعليهوسلم قد اختص فيها بما ليس لغيره.
(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦))
قوله (فَإِنَّ) عطف على مقدر ، أي خولناك من الفضائل ولا تحزن من الافتقار والاحتقار بينهم ولا تيأس من فضل الله ، فان (مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [٥] أي إن مع الشدة سعة ، نزل حين عير المشركون رسول الله عليهالسلام ومن آمن به بالفقر والضيقة تسلية للفقراء وتقوية لقلوبهم (٤) ، يدل عليها كلمة مع الدالة على الصحبة ، يعني يجعل الله اليسر المترقب قريبا منهم كالمقارن للعسر فيصيبهم اليسر (٥) بعد العسر الذي كانوا فيه بزمان قريب ، وأكده بقوله (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [٦] العسران واحد في المعنى لتعريفهما واليسر اثنان لفظا ومعنى لنكارتهما ، قيل : المراد باليسرين ما تيسر للمسلمين من الفتوح في أيام الرسول صلىاللهعليهوسلم (٦) وما تيسر لهم في أيام الخلفاء ، ويجوز أن يراد يسر الدنيا ويسر الآخرة (٧) ، وقيل : فيه تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم بأن عسره كان إخراجه أهل مكة ، واليسر الأول دخوله في المدينة وتكثر أصحابه بالإيمان ، واليسر الثاني دخوله مع أصحابه يوم فتح مكة فيها مع عز ونصرة من الله تعالى (٨).
(فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨))
قوله (فَإِذا فَرَغْتَ) تفريع على شرح الصدر ووضع الوزر وتحريض على الشكر والاجتهاد والمداومة في العبادة ، أي إذا فعلنا لك ذلك فأنت إذا فرغت من دنياك (٩) أو من الجهاد (فَانْصَبْ) [٧] أي فاجتهد في الصلوة أو إذا فرغت من الصلوة فانصب في الدعاء أو أتعب فيما ينجيك من العذاب بزيادة الطاعة (وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) [٨] أي تضرع إليه بالسؤال عن فضله متوكلا عليه لا على غيره.
__________________
(١) الحكم ، وي : الحكمة ، ح.
(٢) أخذ المصنف هذا المعنى عن السمرقندي ، ٣ / ٤٨٩.
(٣) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٥ / ٥٩٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٢٤١.
(٤) أخذه عن الكشاف ، ٦ / ٢٤١.
(٥) اليسر ، ح : بيسر ، وي.
(٦) صلىاللهعليهوسلم ، وي : ـ ح.
(٧) أخذ المفسر هذه المعاني عن الكشاف ، ٦ / ٢٤٢.
(٨) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٩) دنياك ، وي : دنيا ، ح.