(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦))
قوله (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) استثناء متصل من (الْإِنْسانَ) ، أي هم لا يردون إلى أرذل العمر أو لا يدخلون النار ، قيل : «من قرأ القرآن وعمل به لم يرد إلى أرذل العمر» (١) ، وهو حال الخرف أو منقطع بمعنى لكن المؤمنين الصالحين (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [٦] أي غير مقطوع بعد ذهاب القوة وضعف العقل من الكبر ، قيل : يكتب لهم أجرهم مثل أجرهم في حال الشباب (٢) ، وأدخل الفاء في (فَلَهُمْ) ليؤذن أن ذلك العمل سبب لاستحقاقهم ذلك الثواب ولم يدخل في آخر انشقت جمعا بين اللغتين.
(فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧))
(فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ) خطاب للإنسان على طريق الالتفات ، أي أيها الإنسان ما يجعلك كاذبا لتكذيبك (بِالدِّينِ) [٧] بعد قيام الدليل القطعي عليه ، يعني أي شيء يحملك على تكذيبك بيوم الحساب والجزاء بعد ما خلقك الله في أحسن تقويم من نطفة إلى كمال الاستواء ، ثم نكسك إلى أرذل العمل ، وهذا دليل واضح على كمال قدرته وعدم عجزه عن إعادتك بعد موتك.
(أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨))
قوله (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) [٨] وعيد لكل كافر وعاص لأمره تعالى بالاستفهام للتقرير ، أي إنه يحكم عليهم بما هم أهله بالعدل لأنه أعدل العادلين ، روي عن النبي عليهالسلام أنه كان إذا قرأ هذه الآية يقول : «بلى وأنا على ذلك من الشاهدين» (٣).
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٥ / ٥٩٧.
(٢) هذا المعنى مأخوذ عن السمرقندي ، ٣ / ٤٩٢.
(٣) انظر البغوي ، ٥ / ٥٩٧ ؛ والكشاف ، ٦ / ٢٤٣. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.