سورة العلق
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١))
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) قال ابن عباس رضي الله عنه : «أول سورة نزلت» (١) ، والأكثر على أن الأول هي الفاتحة ثم سورة القلم (٢) ، وكان سبب نزولها أنه صلىاللهعليهوسلم كان حبب إليه الخلوة ، أي العزلة ويأتي حراء ويمكث هناك ثم يرجع إلى خديجة ، فجاءه ملك وهو على حراء فقال له : اقرأ فقال عليهالسلام : ما أنا بقارئ ، قال عليهالسلام : فضغطني ، أي حركني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني ، فقال : اقرأ باسم ربك ، أي مفتتحا باسمه ، يعني قل بسم الله ثم اقرأ (٣)(الَّذِي خَلَقَ) [١] أي خلق كل شيء.
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣))
عمم أولا بحذف المفعول ثم خصص بقوله (خَلَقَ الْإِنْسانَ) من بين ما يتناوله الخلق بذكر الإنسان لأن التنزيل إليه وهو أشرف ما على الأرض (مِنْ عَلَقٍ) [٢] جمع علقة ، وإنما أورد الجمع لأن الإنسان في معنى الجمع ، أريد منه الإفراد ، ثم أكد الأمر بالقراءة فقال (اقْرَأْ) يا محمد (وَرَبُّكَ) يعينك وإن كنت غير قارئ لأن ربك هو (الْأَكْرَمُ) [٣] أي لا يوازيه أحد في الكرم.
(الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤))
(الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) [٤] أي علم الإنسان الخط والكتابة بالقلم ، وذلك من كرمه لأن في علم الكتابة منافع كثيرة لا يحصيها إلا هو ، ولولاها لما استقامت أمور الدنيا والآخرة ، لأن كتب الله المنزلة لا تضبط إلا بالكتابة ، قيل : «أول من خط بالقلم إدريس بتعليم الله تعالى» (٤) ، ووجه المناسبة بين خلق الإنسان من علق وبين تعليمه الخط تنبيه على أن للإنسان حالتين ، حالة الذلة وهي كونه علقة ، وحالة العزة وهي كونه عالما بالتعليم وهو أشرف المراتب ، يعني أنه كان ذليلا مهينا فأعزه بالعلم ، فدل ذلك على أنه لو كان غير العلم أشرف لكان ذكره أولى.
__________________
(١) انظر الكشاف ، ٦ / ٢٤٤.
(٢) أخذه عن الكشاف ، ٦ / ٢٤٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٥٩٨.
(٣) اختصره من السمرقندي ، ٣ / ٤٩٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٥٩٨.
(٤) ذكره العجلوني في كشف الخفاء ، ١ / ٣١٤. وقال القرطبي في تفسيره : «وفيمن علمه بالقلم ثلاثة أقاويل : أحدها أنه آدم عليهالسلام لأنه أول من كتب ، قاله كعب الأحبار ، الثاني أنه إدريس وهو أول من كتب ، قاله الضحاك ، الثالث أنه أدخل كل من كتب بالقلم ، لأنه ما علم إلا بتعليم الله سبحانه». انظر الجامع لأحكام القرآن ، ٢٠ / ١٢٠.