(عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥))
قوله (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [٥] بدل من (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) ، أي علم عباده ما لم يعلموا وأخرجهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ، وذلك أيضا من كرمه العظيم ، وقيل : المراد من (الْإِنْسانَ) آدم عليهالسلام علمه كل شيء (١) ، يعني ألهمه ، فلما جاءه جبرائيل عليهالسلام بهذه السورة أمره بأن يتوضأ ويصلي به ركعتين ، فلما رجع إلى خديجة أعلمها بذلك وعلمها الصلوة فصلت هي أيضا على وفق قوله تعالى (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً)(٢).
(كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣))
(كَلَّا) أي حقا (إِنَّ الْإِنْسانَ) أي جنس (٣) الكافر بنعمة الله أو أبا جهل لعنه الله (لَيَطْغى) [٦] أي لتيجاوز حده كبرا ويعصي ربه (أَنْ رَآهُ) أي لأن علم نفسه (اسْتَغْنى) [٧] عن ربه ، فالرؤية هنا بمعنى العلم لا بمعنى الإبصار وإلا لامتنع في فعلها الجمع بين الضميرين ، أحدهما الفاعل والآخر المفعول الأول ، والمفعول الثاني استغنى (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) [٨] خطاب للإنسان على طريقة الالتفات تهديدا له من عاقة الطغيان أو للكافر ، أي إن إلى حسابه وجزائه الرجوع يوم القيامة ، فأنذره يا محمد بذلك وكبر أنت ربك في الصلوة ، ولما دخل عليهالسلام في المسجد وصلى ورفع صوته بالقراءة فرماه بالحجارة فخفض صوته في الصلوة ، وقال أبو جهل : لئن رأيت محمدا يصلي لوطئت عنقه فنزل (٤)(أَرَأَيْتَ) من الرؤية بمعنى العلم لتعديها إلى مفعولين أحدهما (الَّذِي يَنْهى [٩] عَبْداً) أي ألم تعلم يا كافر الرجل الذي يؤذي ويمنع عبد الله وهو محمد عليهالسلام من الصلوة ، والمفعول الثاني الشرط مع جوابه (٥) بعد و (إِذا صَلَّى) [١٠] ظرف للنهي و (أَرَأَيْتَ) خطاب آخر للكافر الناهي (٦) وهو تأكيد للأول ، يعني أخبرني أيها الكافر الناهي عمن ينهى بعض عباد الله عن صلوته وقتا يصلي لله (إِنْ كانَ) هذا المصلي (عَلَى الْهُدى) [١١] أي على دين الحق (أَوْ أَمَرَ) الناس (بِالتَّقْوى) [١٢] أي بالإيمان والعمل الصالح واجتناب المعاصي فينهاه عن ذلك (أَرَأَيْتَ) تأكيد آخر له ، أي أخبرني (إِنْ كَذَّبَ) الناهي عن الصلوة بالدين (وَتَوَلَّى) [١٣] أي أعرض عن الإيمان بمحمد عليهالسلام.
(أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى (١٤))
(أَلَمْ يَعْلَمْ) أي الناهي (بِأَنَّ اللهَ يَرى) [١٤] ما فعله من النهي وغيره ، أي فيجازيه به ، فجواب الشرط الثاني قوله (أَلَمْ يَعْلَمْ) الآية ، لأنه بمعنى فيجازيه ، وجواب الشرط الأول محذوف وهو «ألم يعلم بأن الله يرى» لدلالة ذكره في جواب الثاني عليه.
(كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦))
(كَلَّا) أي حقا أو هو ردع لأبي جهل عن نهيه النبي عليهالسلام عن عبادة الله وتبليغ رسالته (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) الكافر عن نهيه و (٧) تكذيب محمد عليهالسلام (لَنَسْفَعاً) أي لنسفعن ، بالنون المخففة وكتبتها بالألف في المصحف على حكم الوقف (٨) ، أي لنأخذن بقهر وشدة (بِالنَّاصِيَةِ) [١٥] أي ناصية (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ) بدل من الأولى لأنها وصفت بكاذبة ، قوله (خاطِئَةٍ) [١٦] وهو (٩) وصف آخر لها ، أي مشركة جاحدة والمراد صاحبها ، المعنى :
__________________
(١) هذا القول منقول عن السمرقندي ، ٣ / ٤٩٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٥٩٩.
(٢) التحريم (٦٦) ، ٦.
(٣) جنس ، ي : الجنس ، ح و.
(٤) فنزل ، ح : نزل ، وي. نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٣ / ٤٩٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٦٠٠.
(٥) جوابه ، ح و : جزائه ، ي.
(٦) الناهي ، ح : ـ وي.
(٧) نهيه و ، ح و : ـ ي.
(٨) هذه القراءة منقولة عن الكشاف ، ٦ / ٢٤٥.
(٩) وهو ، ح : ـ وي.