سورة القدر
مدنية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١))
(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [١] أي أنزلنا القرآن فيها ، وجاء بضميره وإن لم يجر له ذكر لشهرته ، أي أنزله جبرائيل عليهالسلام جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح إلى بيت العزة في السماء الدنيا باملائه على السفرة ، ونسب الإنزال إلى نفسه تعالى تشريفا له ، ثم أنزله جبرائيل عليهالسلام نجوما إلى الأرض على رسول الله في عشرين أو في ثلاث وعشرين سنة ، وكان ابتداء نزوله في القدر ، ومعناه : ليلة تقدير الأمور وقضائها ، قيل : سميت بها لأن الله تعالى يقدر في تلك الليلة ما هو كائن من السنة إلى السنة من الأجل والرزق والموت وغير ذلك (١) ، وهي موجودة في رمضان كل سنة ، والأكثر أنها في العشر الأواخر منه في الأوتار ، وأخفيت ليجتهد في العبادة ليالي رمضان طمعا في إدراكها وتكثيرا لثواب (٢) العبادة فيها.
(وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣))
قوله (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) [٢] تعظيم لها ، يعني لم تبلغ أنت بمراتبك (٣) غاية فضلها ، ثم بين للنبي عليهالسلام علو قدرها بقوله (لَيْلَةُ الْقَدْرِ) أي قيامها والعبادة فيها (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [٣] أي من قيامها وصيامها ليس فيها ليلة القدر ، قالت عائشة رضي الله عنه : «يا رسول الله لو وافيت ليلة القدر ـ أي وجدتها ـ فما أقول؟ ـ ف (ما) استفهام ـ قال : قولي اللهم إنك عفو فاعف عني» (٤).
(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤))
ثم بين ارتقاء فضلها إلى هذه الغاية بقوله (تَنَزَّلُ) أي تتنزل (الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) أي جبرائيل إلى الأرض (فِيها)(٥) من غروب الشمس إلى طلوع الشمس (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بأمره تعالى ، متعلق ب (تَنَزَّلُ) أو حال ، ومفعوله (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) [٤] أي كل خير وشر قدره الله ، وهم يصلون ويسلمون على كل قائم أو قاعد يذكر (٦) الله تعالى فيها.
(سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥))
قوله (سَلامٌ هِيَ) مبتدأ وخبر ، أي تلك الليلة ذات سلامة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها شرا أو سميت سلاما لكثرة السّلام فيها من الملائكة على المؤمنين (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [٥] أي يسلم الملائكة من غروب الشمس إلى مطلع الفجر ، ف (حَتَّى) متعلقة ب (سَلامٌ) ، قيل : ذكر للنبي عليهالسلام رجل من بني إسرائيل كان على عاتقه السلاح ألف شهر في سبيل الله بالصوم حتى مات فتمنى أن يكون ذلك لأمته ، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر وجعلها خيرا من ألف شهر ذكرت (٧) ، يعني العمل فيها وثوابه ، ثم قال : «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» (٨).
__________________
(١) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ٣ / ٤٩٦.
(٢) لثواب ، وي : ثواب ، ح.
(٣) بمراتبك ، وي : لمراتبك ، ح.
(٤) رواه ابن ماجة ، الدعاء ، ٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٦٠٦.
(٥) أي ، + ح.
(٦) يذكر ، وي : يذكرون ، ح.
(٧) عن مجاهد ، انظر الواحدي ، ٣٧٣ ـ ٣٧٤ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٤٩٦.
(٨) رواه مسلم ، المسافرين ، ١٧٥ ، ١٧٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٦٠٦.