سورة الهمزة
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١))
قوله (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ) أي شدة العذاب لكل من يعيب في الغيب (لُمَزَةٍ) [١] أي من يعيب في الوجه ، وقيل : بالعكس (١) ، والهمزة في الأصل الكسر ، واللمز الطعن ، والهاء فيهما للمبالغة ، يعني ويل لكل من يكسر من إعراض المسلمين ويطعن في أنسابهم ، نزل في الأخنس بن شريق وكانت عادته الغيبة (٢) ، وقيل : نزل في الوليد بن المغيرة كان يغتاب النبي عليهالسلام والمسلمين ويطعن في وجوههم (٣) ، ويجوز أن يكون السبب خاصا والوعيد عاما لزجر كل من باشر ذلك القبيح.
(الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣))
قوله (الَّذِي جَمَعَ) بالتشديد والتخفيف (٤) ، محله رفع أو نصب على الذم أو بدل م ن «كل همزة» ، أي ويل للذي جمع (مالاً) أي مال الدنيا (وَعَدَّدَهُ) [٢] أي أحصاه وحسبه فرحا به أو جعله عدة لحوادث الدهر ولم ينفق في سبيل الله ، بل ينفق في تشييد بالبنيان الموثق بالصخر والآجر وعمارة الأرض وغرس الأشجار (يَحْسَبُ) أي يظن (أَنَّ مالَهُ) الذي جمع (أَخْلَدَهُ) [٣] في الدنيا ويمنعه عن الموت.
(كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧))
(كَلَّا) ردع له ، أي (٥) لا يخلده (لَيُنْبَذَنَّ) أي والله ليطرحن (فِي الْحُطَمَةِ) [٤] وهي اسم من أسماء النار لحطمها ما ألقي فيها وهو كسرها وأكلها ، قوله (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) [٥] تفخيم لشأنها (نارُ اللهِ) أي هي نار الله العظيم (الْمُوقَدَةُ) [٦] أي المسعرة (الَّتِي تَطَّلِعُ) أي تشرف وتبلغ (عَلَى الْأَفْئِدَةِ) [٧] يعني يأكل اللحم والجلد حتى تبلغ (٦) أفئدتهم فتحرقهم ، وخص (الْأَفْئِدَةِ) بالذكر لأن ألم الفؤاد أشد من ألم جميع الأعضاء للطفه ، ولأنه ريئسها تتبعه (٧) الأعضاء في الصلاح والفساد ، وهو محل العقائد والنيات ، وكان عذابه أشد وأعظم لكن لا تحرق القلب ، لأنه إذا احترق لا يجد (٨) الألم فيكون القلب على حاله ليبتدأ بالخلق الجديد بوجوده.
(إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩))
(إِنَّها عَلَيْهِمْ) أي النار على الكفار (مُؤْصَدَةٌ) [٨] أي مطبقة مغلقة الأبواب (فِي عَمَدٍ) بضمتين وفتحتين (٩) جمع عمود ، أي هم في عمد من حديد ، ويجوز أن ينصب حالا من الضمير في (مُؤْصَدَةٌ) أو من الضمير في (عَلَيْهِمْ) ، أي موثقين في عمد (مُمَدَّدَةٍ) [٩] أي ممدودة ومطولة مسدودة الأبواب عليهم وفي أعناقهم السلاسل والأغلال ، وذلك لتأكيد بأسهم من الخروج وتيقنهم بحبس الأبد.
__________________
(١) عن أبي العالية والحسن ، انظر البغوي ، ٥ / ٦٢١.
(٢) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٦١٠.
(٣) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٦١٠.
(٤) «جمع» : شدد الميم الشامي والأخوان وخلف وروح وأبو جعفر ، وخففها الباقون. البدور الزاهرة ، ٣٤٧.
(٥) أي ، وي : أن ، ح.
(٦) تبلغ ، وي : يبلغ ، ح.
(٧) تتبعه ، وي : يتبعه ، ح.
(٨) يجد ، ح ي : تجد ، و.
(٩) «عمد» : قرأ شعبة والأخوان وخلف بضم العين والميم ، والباقون بفتحهما. البدور الزاهرة ، ٣٤٧.