سورة الفيل
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢))
قوله (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) نصب (كَيْفَ) بفعل لا بما قبله ، لأن استفهامه يمنعه ، أي رأيت (١) آثار فعل الله (بِأَصْحابِ الْفِيلِ) [١].
وسمعت فيه الأخبار بالتواتر ونسبوا إلى الفيل ، لأنه كان مقدمهم ، نزل بعد ما بنى أبرهة بن الصباح ملك اليمن من قبل الملك النجاشي بصنعاء كنيسة ليصرف الناس إليها عن زيارة الكعبة وطوافهم ، فذهب رجل من العرب من كنانة وأحدث فيها احتقارا بها ، فحلف أبرهة ليهدمن الكعبة فخرج بجيشه مقدمهم فيل النجاشي المعروف بمحمود ، فلما قرب من مكة نزل وذهب إليه عبد المطلب صاحب مكة فأكرمه وأجلسه في بساطه معه ، لأنه سمع أنه يطعم الناس في السهل والوحوش في رؤوس الجبال ، فقال للترجمان : قل له ، أي شيء حاجتك؟ فقال : حاجتي أن ترد علي مائتي بعير أصابها قومك ، فقال لترجمانه : قل له أعجبتني بحاجتك لهدم بيت هو دينك وأنت تريد مني مائتي بعير أصبتها منك ، فقال : أنا رب البعير ولهذا البيت رب يمنعه عنك ، ثم جاء عبد المطلب مكة وأمر أهله بالتفرق في الجبال وأخذ بحلقة باب البيت ، فقال : قد جاء عدوك ليهدم بيتك فامنع البيت عنهم ، ثم توجه أبرهة بجيوشه نحو الكعبة مقدمها الفيل محمود ، فجاء نفيل من مكة فأخذ بأذنه فقال : ابرك يا محمود وارجع من حيث جئت فانك في البلد الحرام ، فبرك فضرب بالمعول في رأسه فأبى القيام وعبد المطلب يدعو عليهم ، فنشأت طير سوداء وخضراء وبيضاء صغار فوجا فوجا من البحر كأنها الخطاطيف مع كل طير حصاة أصغر من الحمصة ، على كل حصاة اسم من يرمى بها فألقت الطير على كل واحد حصاة تخرق البيضة والرجل والفيل وتصل إلى الأرض ، فهلك كلهم إلا أبرهة ، لأن طيره لم يرم حصاته عليه ، فلما وصل إلى النجاشي فأخبره الخبر وتبعه طيره ألقى عليه حجره فمات لدى النجاشي ، وكان هذا عام مولد النبي عليهالسلام (٢) ، وقيل : قبله بأربعين سنة (٣) ، فأخذ أهل مكة أموالهم فقال تعالى (٤) تعجيبا للناس من حديثهم ، أي ألم تخبر بخبر التواتر الذي قام مقام الرؤية أو ألم تعلم بالقرآن يا محمد عاقب ربك أصحاب الفيل بالحجارة حين أراد هدم بيته الكعبة (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ) أي مكرهم في هدمها (فِي تَضْلِيلٍ) [٢] أي في (٥) هلاك وخسارة.
__________________
(١) رأيت ، ح ي : أرأيت ، و.
(٢) اختصره المفسر من السمرقندي ، ٣ / ٥١٣ ـ ٥١٥ ؛ والبغوي ، ٥ / ٦٢٣ ـ ٦٢٨.
(٣) عن مقاتل ، انظر البغوي ، ٥ / ٦٢٨ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٢٥٤.
(٤) فقال تعالى ، ح ي : ـ و.
(٥) في ، ح : ـ وي ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٥١٤.