سورة قريش
مدنية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١))
قوله (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) [١] بالياء الساكنة بعد الهمزة وبتركها (١) موصول بما قبله ، أي أهلك ربك أصحاب الفيل ليألف ويقيم قريش بالحرم في مجاورة البيت ، فاللام متعلقة بقوله (فَجَعَلَهُمْ) ، فقيل : على هذا كلاهما سورة واحدة (٢) ، روي : أن عمر رضي الله عنه قرأهما في الركعة الثانية من صلوة المغرب وفي الأولي والتين (٣) ، وقيل : متعلق بقوله (فَلْيَعْبُدُوا)(٤) ، والفاء زائدة ولذا لم تمنع من هذا ، قيل : قريش ولد النضر بن كنانة سموا بتصغير القرش ، وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن ولا تطاق إلا بالنار (٥) ، وقيل : من القرش وهو الكسب ، لأنهم كانوا كسابين في تجارتهم (٦) ، وسئل ابن عباس رضي الله عنه بم سميت قريش؟ قال : «بدابة في البحر تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى لشدتهم ومنعتهم». (٧)
(إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢))
قوله (إِيلافِهِمْ) بالياء (٨) بدل من (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) ، أي جعل ذلك ليألف قريش (رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) [٢] أي رحلتيهما ، أفرد بالعلم به ، فان قريشا كانت ترحل كل عام للتجارة رحلتين ، برحلة شتاء إلي اليمن ورحلة صيفا إلى الشام ، يستعينون بهما على الإقامة بمكة ، إذ لا يقدم أحد على أذاهم بسبب ذلك التألف (٩) إذا سافروا ، وأصل الرحلة السير على الراحلة ، ثم استعمل لكل سير.
(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤))
قوله (فَلْيَعْبُدُوا) أمر لهم ليعبدوا (رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) [٣] لأنه كفاهم مؤنة الشتاء والصيف لأجل إيلافهم الرحلتين ، قوله (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) صفة لرب البيت أي الرب الذي أشبعهم من الجوع الذي أصابهم من القحط (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [٤] أي من خوف العدو والغارة وهم جيش الفيل ، وذلك ببركة بيت الله فصاروا آمنين من عدوهم ببلدهم وفي سفرهم فلا يتعرض لهم وغيرهم من الناس يتخطفون ويغار عليهم.
__________________
(١) «لإيلاف» : قرأ الشامي بهمزة مكسورة بعد اللام مع حذف الياء الساكنة بعد الهمزة ، وأبو جعفر بحذف الهمزة المكسورة مع إثبات الياء ، والباقون باثبات الهمزة والياء. البدور الزاهرة ، ٣٤٨.
(٢) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ٢٥٦.
(٣) نقله عن الكشاف ، ٦ / ٢٥٦.
(٤) هذا القول للزجاج ، انظر البغوي ، ٦ / ٦٣٠ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٢٥٦.
(٥) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٦ / ٢٥٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٦٣٠.
(٦) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٦ / ٢٥٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٦٣٠.
(٧) انظر البغوي ، ٥ / ٦٣٠ ؛ والكشاف ، ٦ / ٢٥٦.
(٨) «إيلافهم» : قرأ أبو جعفر بحذف الياء بعد الهمزة ، وغيره باثباتها. البدور الزاهرة ، ٣٤٨.
(٩) التألف ، وي : التأليف ، ح.