سورة الماعون
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢))
قوله (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) [١] نزل في عامر بن وائل (١) ، أي هل عرفت يا محمد الذي يكذب بالجزاء يوم القيامة؟ من هو؟ إن لم تعرفه (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ) أي يدفع (الْيَتِيمَ) [٢] دفعا بعنف عن حقه من الإرث أو لا يحسن إليه ، لأنه لا يرجو ثوابا.
(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥))
(وَلا يَحُضُّ) نفسه ولا غيره (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) [٣] أي على إطعامه ، جعل الله علم التكذيب بالدين منع المعروف وإيذاء الضيف ، يعني أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد لخاف الله وعقابه ولم يقدم على المعصية ، فحين أقدم عليها علم أنه مكذب بيوم البعث والجزاء ، وهذا تحذير عظيم من الإقدام على المعصية التي تستدل بها (٢) على ضعف الإيمان ، ثم وصل به قوله (فَوَيْلٌ) أي إذا كان الأمر كذلك فويل (لِلْمُصَلِّينَ) [٤] أي للذين يكذب بالدين من باب وضع المظهر موضع المضمر الراجع إلى الواحد الذي أريد منه الجنس ، أي شدة العذاب جزاؤه ، لأنه من المصلين (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) [٥] أي غافلون ، يعني يتركون الصلوة إذا غابوا عن الناس ويصلونها إذا حضروا أو هم الذين يؤخرون صلوتهم عن وقتها وهم المنافقون ، قال أنس بن مالك رحمهالله : «الحمد لله الذي لم يقل في صلوتهم ساهون» (٣) ، فالمراد من السهو سهو ترك لا نسيان ، ولذا قال ب (عَنْ) دون في ، لأنه لا يكاد يخلو منه مسلم ، ومن ثم أثبت العلماء باب سجود السهو في كتبهم.
(الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦))
قوله (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) [٦] صفة بعد صفة ، أي إذا رأوا الناس صلوا وهم يثنون عليه وإذا لم يروا لم يصلوا ، وكذلك في سائر الطاعات ، وهو معنى المراءة ، قيل : إن كان العمل الصالح فريضة فحقه الإعلان به فلا يكون عامله مرائيا ، وإن كان تطوعا فحقه الإخفاء حذرا عن الرياء إلا أن يكون العامل منتهيا بالارتياض مخلصا فلو أظهره قاصدا للاقتداء كان جميلا ، ولو أظهره لأن يثنى عليه بالصلاح كان مرائيا (٤).
(وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧))
(وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) [٧] أي الزكوة عن أهلها ، وقيل «الماععون» : «كل ما يتعاطاه الناس فيما بينهم كالفأس والقدر والقصعة والإبرة والماء والدلو والكلأ ونحوها» (٥) ، قيل : يحرم منعها إذا استعيرت ضرورة ويقبح منعها إذا استعيرت لغير ضرورة (٦).
__________________
(١) عن مقاتل والكلبي ، انظر الواحدي ، ٣٧٦ ؛ والبغوي ، ٥ / ٦٣٢ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٥١٨ (عن جعده بن هبيرة).
(٢) بها ، ح : ـ وي.
(٣) انظر الكشاف ، ٦ / ٢٥٨.
(٤) أخذ المفسر هذه الآراء عن الكشاف ، ٦ / ٢٥٨.
(٥) عن عبد الله بن مسعود ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٥١٨ ؛ والبغوي ، ٥ / ٦٣٣ ؛ والكشاف ، ٦ / ٢٥٨.
(٦) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٦ / ٢٥٨.