سورة الكافرون
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢))
قبل : نزلت حين قال كفار مكة للنبي عليهالسلام : اعبد آلهتنا سنة ونعبد ربك سنة أو تبرأ من آلهتنا سنة ونتبرأ من إلهك ، فقال : معاذ الله أن أشرك بالله غيره (١) ، فقالوا : استلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد إلهك (٢) ، فأمره تعالى (قُلْ) يا محمد لهم (يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) [١] والمراد منهم الذين علم الله أنهم لا يؤمنون ، أي الجاحدون بالحق وهو قول «لا إله إلا الله» (لا أَعْبُدُ) فيما يستقبل (ما تَعْبُدُونَ) [٢] أي الذي تعبدنه الآن من الأصنام ، قيل : حق (لا) أن لا تدخل إلا على المستقبل ، لأن «لن» تأكيد (لا) في الاستقبال ، وحق (ما) أن لا تدخل إلا على مضارع في معنى الحال ، لأنها تشبه بليس في نفي الحال ، ولذلك قال لا أعبد ما تعبدون وكذا الباقي. (٣)
(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤))
(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) فيما يستقبل (ما أَعْبُدُ) [٣] الآن (وَلا أَنا عابِدٌ) أي ما كنت عابدا قط فيما مضى من الزمان في الجاهلية ، فكيف أعبد في الإسلام (ما عَبَدْتُّمْ) [٤] فيما مضى منه لأني علمت مضرته ، لأنه صلىاللهعليهوسلم لم يعبد صنما لا في الجاهلية ولا في الإسلام.
(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥))
(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) فيما مضى من الزمان أيضا (ما أَعْبُدُ) [٥] الآن لجهلكم وقلة عقلكم ولم يقل ما عبدت كما قيل ما عبدتم ، لأنه لم يكن يعبد الله في ذلك الزمان ولم يقل من مكان (ما) ، لأن المراد الصفة كأنه قال : لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق ، ف (ما) الأربعة موصولة منصوبة بالفعل قبلها والهاء محذوفة ، ويجوز أن يكون (ما) مصدرية ، أي لا أعبد مثل عبادتكم ولا تبعدون مثل عبادتي في وقت ما.
(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦))
(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [٦] بسكون الياء وفتحها (٤) ، أي إني بلغتكم (٥) رسالة ربي وأقمت عليكم الحجة وليس علي الإجبار على أن تؤمنوا بالله ربي وربكم ، وإني لا أرجع إلى دينكم أبدا فلكم دينكم ، أي اثبتوا على شرككم حتى نرى ما يأمر ربي لأجلكم ولي ديني ، أي أنا أثبت على ديني الذي أكرمني الله به وهداني إليه لا أتجاوز عنه وهو الإسلام ، لأنه صراط مستقيم ، وهذا منسوخ بآية القتال (٦) ، قيل : إن الرجل إذا أنكر منكرا فلم يقبل منه يجب عليه حفظ مذهبه ويترك صاحب المنكر على مذهبه استدلالا بهذه الآية (٧).
__________________
(١) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٥٢٠ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٣٧٨ ؛ والبغوي ، ٥ / ٦٣٦ ـ ٦٣٧ ؛ والكشاف ، ٦ / ٢٥٩.
(٢) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٥٢٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٦٣٧ ؛ والكشاف ، ٦ / ٢٥٩.
(٣) هذه الآراء مأخوذة عن الكشاف ، ٦ / ٢٥٩.
(٤) «ولي دين» : فتح ياء «ولي» نافع وهشام وحفص والبزي بخلف عنه ، وأسكنها الباقون وهو الوجه الثاني للبزي ، وأثبت ياء «دين» وصلا ووقفا يعقوب ، وحذفها غيره في الحالين. البدور الزاهرة ، ٣٤٨.
(٥) بلغتكم ، ح : أبلغكم ، و ، بلغك ، ي.
(٦) أخذه عن السمرقندي ، ٣ / ٥٢١ ؛ وانظر أيضا هبة الله بن سلامة ، ١٠٤.
(٧) هذا القول منقول عن السمرقندي ، ٣ / ٥٢١.