سورة الفتح (النصر)
مدنية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١))
قوله (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) في محل النصب ب «سبح» ، نزل في أيام التشريق بمنى في حجة الوداع حين استنصر عمرو بن سالم الخزاعي من النبي عليهالسلام على قريش بعد ما نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين النبي عليهالسلام في وضع الحرب عشر سنين عام الحديبية ، واجتمعوا وجاؤا على عمرو بن سالم للقتال وكان في عهد النبي عليهالسلام وحلفه ، فقال عليهالسلام له : «نصرت يا عمرو» ، ثم أمر بالجهاز إلى مكة ، فتجهز لعشر مضين من رمضان بعشرة آلاف من المسلمين ، فدخلها وأقام بها خمس عشرة ليلة يقصر الصلوة ، ثم خرج إلى هوازن ، وحين دخلها وقف على باب الكعبة وقال : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده» ، ثم قال : يا أهل مكة ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم ، ثم قال لهم : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، فأعتقهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلذلك سموا طلقاء (١) ، وذلك قوله (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) ، أي إظهاره وإغاثته لنبيه عليهالسلام على أعدائه العرب أو على قريش من نصر الله الأرض إذا أغاثها (وَالْفَتْحُ) [١] أي فتح مكة أو فتح بلاد الكفر.
(وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢))
(وَرَأَيْتَ النَّاسَ) برؤية العين (يَدْخُلُونَ) حال ، أي داخلين (فِي دِينِ اللهِ) وهو الإسلام أو هو مفعول ثان على أنه بمعنى علمت ، قوله (أَفْواجاً) [٢] حال من فاعل (يَدْخُلُونَ) ، أي متفوجين من أقطار الأرض طائعين ، لأنه صلىاللهعليهوسلم لما فتح مكة جاء العرب من كل ناحية جماعات في تفرقة ، دخلوا في الإسلام لتيقنهم حقيته بالفتح ، وكان قبل ذلك يدخل الناس فيه واحدا واحدا.
(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣))
قوله (فَسَبِّحْ) أمر الله نبيه عليهالسلام بالتسبيح ، أي قل سبحان الله (بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي ملابسا بحمده (وَاسْتَغْفِرْهُ) أي اطلب المغفرة منه لذنوبك ، يعني قل اللهم اغفرلي وتب إليه (إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) [٣] أي متجاوزا عن الذنوب.
قال ابن عباس رضي الله عنه : «لما نزلت هذه السورة علم النبي عليهالسلام أنه يموت فأمر بالتسبيح والاستغفار والتوبة ليختم له بالزيادة في العمل الصالح» (٢) ، «وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يكثر بعد نزولها من قول
__________________
(١) أخذه المصنف عن الكشاف ، ٦ / ٢٦٠.
(٢) ولم أجد لقول عمر مأخذا في المصادر التي راجعتها.