له (الْقَهَّارُ) [٤] لجميع خلقه فهو منزه عن الصاحبة والولد كما هو منزه عن الشريك لانتفاء المجانسة بينه وبين غيره.
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧))
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) أي للحق لا للباطل وهو إشارة إلى توحيده لأن المخلوقين عاجزون عنه (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) أي يلف أحدهما على الآخر بتغييبه فيه أو بنقص أحدهما والزيادة في الآخر فيلف عليه كما يلف اللباس على اللابس (١)(وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) لمصالح العباد (كُلٌّ) منهما (يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) وهو مدة الدنيا أو إلى أقصى منازله (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ) في ملكه (الْغَفَّارُ) [٥] لخلقه بتأخير العذاب فيجب أن يعبد لذلك ولأنه (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) وهي آدم (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) حواء ، (ثُمَّ) فيه لترتيب الخبر لفظا لا لمعنى التراخي فيه ، إذ هما آيتان من آيات الواحدانية إلا أن إحديهما كانت أغرب وأدخل في كونها آية ، إذ لم يجر في العادة خلق انثى غير حواء من قصيرى رجل (٢) ، فعطفها (٣) على الآية الأولى ب (ثُمَّ) للدلالة على مزيتها وتراخيها عنها في كونها آية عجيبة فهو من التراخي في الحال لا من التراخي في الوجود (وَأَنْزَلَ) أي أحدث (لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) أي أصناف كما ذكر تفسيره في سورة الأنعام (٤)(يَخْلُقُكُمْ) أي الله يخلقكم وينشئكم (فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) آخر (٥) يعني يجعلكم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ثم يكسوها لحما ثم خلقا سويا ، أي طفلا (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) أي (٦) ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة ، وهي وعاء الولد في الرحم (ذلِكُمُ اللهُ) أي خالق هذه الأشياء هو الله (رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) أي له (٧) ملك السموات والأرض (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا معبود سواه (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [٦] أي كيف يعدل بكم عن عبادته إلى عبادة غيره بعد ما علمتم أنه خالق تحتاجون إليه في كل حال ولا حاجة به إليكم ، وبين ذلك بقوله (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) أي عن إيمانكم وعبادتكم (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) رحمة لهم ، لأنه يوقعهم في العذاب والهلاك (وَإِنْ تَشْكُرُوا) أي إن تؤمنوا به وتعبدوه (٨)(يَرْضَهُ) بسكون الهاء وضمها مع المد والقصر (٩) ، أي يرض الشكر (لَكُمْ) لأنه سبب فلاحكم وفوزكم ، لا لأن (١٠) منفعة إيمانكم ترجع (١١) إليه ، لأن الغني الذي لا يجوز عليه الحاجة (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا يؤاخذ أحد بذنب غيره (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) أي مصيركم في الآخرة (فَيُنَبِّئُكُمْ) أي يخبركم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من خير وشر (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [٧] أي بما في القلوب.
__________________
(١) اللابس ، ح و : الملابس ، ي.
(٢) راجع في هذا الموضوع إلى تفسير قوله «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ» ، رقم الآية (٣٤) من سورة البقرة.
(٣) بثم ، + ح.
(٤) انظر سورة الأنعام (٦) ، ١٤٣.
(٥) آخر ، وي : ـ ح.
(٦) أي ، ي : ـ ح و.
(٧) له ، ح : ـ وي.
(٨) أي إن تؤمنوا به وتعبدوه ، ح ي : أي إن يؤمنوا به ويعبدوه ، و.
(٩) «يرضه» : قرأ نافع وعاصم ويعقوب وحمزة بضم الهاء من غير صلة ، والمكي وابن ذكوان والكسائي وابن وردان وخلف في اختياره بالضم مع الصلة والسوسي وابن جماز بإسكانها ، ولدوري أبي عمرو وجهان الإسكان والضم مع الصلة ولهشام وجهان أيضا الإسكان والضم من غير صلة. البدور الزاهرة ، ٢٧٤.
(١٠) لا لأن ، ح ي : إلي لأن ، و.
(١١) ترجع ، وي : يرجع ، ح.